للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيلَ لَكُمْ: هَذَا الْكَلَامُ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِصِحَّةِ نَقْلِهِ عَنْ أَشْعِيَا، وَصِحَّةِ التَّرْجَمَةِ لَهُ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ، وَأَنَّهُ لَمْ تُحَرِّفْهُ التَّرَاجِمُ، هُوَ حُجَّةٌ عَلَى الْمُثَلِّثَةِ عُبَّادِ الصَّلِيبِ لَا لَهُمْ، فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَسِيحَ هُوَ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى مِثْلِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَأَنَّ الْمَسِيحَ أُيِّدَ بِرُوحِ الْقُدُسِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَحِلُّ فِيهِ رُوحُ اللَّهِ، رُوحُ الْكَلِمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْحِيَلِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْعِلْمِ وَخَوْفُ اللَّهِ. وَلَمْ يَقُلْ: تَحِلُّ فِيهِ حَيَاةُ اللَّهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَحِلَّ اللَّهُ فِيهِ وَيَتَّحِدَ بِهِ، وَيَتَّخِذَ حِجَابًا مِنْ نَاسُوتِهِ. وَهَذِهِ الرُّوحُ تَكُونُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ، وَعِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ: إِنَّ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ فِي قُبَّةِ الزَّمَانِ حَلَّتْ فِيهِمْ رُوحُ الْحِكْمَةِ وَرُوحُ الْفَهْمِ وَالْعِلْمِ وَهِيَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْهُدَى وَالنَّصْرُ وَالتَّأْيِيدُ.

وَقَوْلُهُ: رُوحُ اللَّهِ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا صِفَتُهُ، فَضْلًا أَنْ يَكُونَ هُوَ اللَّهُ، وَجِبْرِيلُ يُسَمَّى رُوحُ اللَّهِ، وَالْمَسِيحُ اسْمُهُ رُوحُ اللَّهِ.

وَالْمُضَافُ إِلَى اللَّهِ إِذَا كَانَ ذَاتًا قَائِمَةً بِنَفْسِهَا فَهُوَ إِضَافَةُ مَمْلُوكٍ إِلَى مَالِكٍ كَبَيْتِ اللَّهِ، وَنَاقَةِ اللَّهِ وَرُوحِ اللَّهِ، لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ بَيْتًا يَسْكُنُهُ، وَلَا نَاقَةً يَرْكَبُهَا، وَلَا رُوحًا قَائِمَةً بِهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ، وَقَالَ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا.

فَهَذِهِ الرُّوحُ أَيَّدَ بِهَا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَبِهِ يُؤْمِنُونَ وَعَلَيْهِ يَتَوَكَّلُونَ فَهُوَ عَائِدٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا إِلَى الْعَصَا الَّتِي تَنْبُتُ مِنْ بَيْتِ النُّبُوَّةِ.

وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>