للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع ذلك، فإنَّ هؤلاء الثَّلاثة لم ينبزوا كعبًا ولا وَهبًا بشيءٍ كما فعل رشيدٌ! بل زكَّوه بما يُعضِّد تعديلَ جماهيرِ النُّقادِ له؛ فبعيدٌ جدًّا أن يخفى حالهما على جميعِهم، عالمِهم بما عند أهلِ الكتاب وجاهلِهم، ثمَّ يظهرَ في آخر الأزمان لـ (رشيد رضا) كذبَه لوحده، بل زندقتَه!

وبهذا تسقُط تلك الدَّعاوي العَريضة الَّتي تحامل بها (رشيد رضا) على كعب الأحبار، دون أن يُقدِّم بين يَدَيْها حُجَجًا مُقنعةً كافية، لتبقى مكانةُ كعبٍ في عدالتِهِ ووَثاقتِه كما اتَّفَق عليها المُتقدِّمون والمُتأخِّرون.

وأمَّا عن مَوقف بعضِ الكُتَّاب المُعاصرين مِن (وهبِ بنِ مُنبِّه) (١):

فأغلب الشُّبَه الَّتي أثارَها بعضُ المعاصرين حول وهب بن منبِّه هي نفسها الَّتي أثارها (رشيد رضا) حول كعبٍ الأحبار؛ فإنَّه لم يكُن يذكر كعبًا بسوءٍ إلَّا وأتبعه ذكر وهب!

مِن ذلك قولُه: «إنَّ عُمدتنا في جرحِ روايةِ وهبٍ ما جاء به من الإسرائيليَّات الَّتي نقطع ببُطلانها، وهو آفتها، كرواياتِ كعبٍ فيها» (٢)، وقوله: « .. ومَنبع هذه الرِّوايات كعبُ الأحبار ووَهب بن منِّبه، اللَّذان بَثَّا في المسلمين أكثر الإسرائيليَّات الخرافيَّة» (٣).

وقد استدلَّ (رشيد رضا) في تكذيبِه وتغليطِه للأئمَّة في توثيقه بنفسِ الدَّعاوي الواهيةِ الَّتي ساقَها في تكذيبِ كعبٍ، إلَّا أنَّه زاد قولَه فيه: «قد ضَعَّفه عمر بن الفلَّاس، واغترَّ به الجمهور؛ لأنَّ جُلَّ روايتِه للإسرائيليَّات، ولم يكونوا يُدقِّقون النَّظر في نقدِها تدقيقَهم في نقدِ رواياتِ أصولِ الدِّين وفروعِه، وقَلَّما كان أحدٌ مِن


(١) هو أبو عبد الله وهب بن منبه بن سيج الصنعاني، أصله فارسي، من علماء التابعين، وثقه أحمد وأبو زرعة النسائي وغيرهم، ولد سنة ٣٤ هـ في خلافة عثمان، قال جماعة من المؤرِّخين: مات سنة ١١٠ هـ، انظر ترجمته في «سير أعلام النبلاء» (٤/ ٥٤٤).
(٢) «مجلة المنار» (٢٦/ ٧١٦).
(٣) «مجلة المنار» (٣٣/ ٥٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>