للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَرْعٌ)

إذَا أَخَّرَ الصَّلَاةَ وَقُلْنَا لَا يَجِبُ الْعَزْمُ أَوْ أَوْجَبْنَاهُ وَعَزَمَ ثُمَّ مَاتَ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ فَجْأَةً فَهَلْ يَمُوتُ عَاصِيًا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ الصَّحِيحُ لَا يَمُوتُ عَاصِيًا لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى وَمَنْ قَالَ يَمُوتُ عَاصِيًا فَقَدْ خَالَفَ إجْمَاعَ السَّلَفِ فَإِنَّا نَعْلَمُ انهم كانوا لا يأثمون مَنْ مَاتَ فَجْأَةً بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ الزَّوَالِ وَلَا يَنْسُبُونَهُ إلَى تَقْصِيرٍ لاسيما إذَا اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ وَنَهَضَ إلَى الْمَسْجِدِ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ بَلْ مُحَالٌ أَنْ يَعْصِيَ وَقَدْ جَازَ لَهُ التَّأْخِيرُ وَمَتَى فَعَلَ مَا يَجُوزُ لَهُ كَيْفَ يُمْكِنُ تَعْصِيَتُهُ: فَإِنْ قِيلَ جَازَ التَّأْخِيرُ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ قُلْنَا مُحَالٌ لِأَنَّ الْعَاقِبَةَ مَسْتُورَةٌ عَنْهُ فَإِذَا سَأَلْنَا وَقَالَ الْعَاقِبَةُ مسورة عَنِّي وَعَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ وَأُرِيدُ تَأْخِيرَهُ إلَى الْغَدِ فَهَلْ لِي تَأْخِيرُهُ مَعَ جَهْلِ الْعَاقِبَةِ أَمْ أَعْصِي بِالتَّأْخِيرِ فَإِنْ قُلْنَا لَا تَعْصِي قَالَ فَلِمَ آثَمُ بِالْمَوْتِ الَّذِي لَيْسَ إلَيَّ وَإِنْ قُلْنَا يَعْصِي خَالَفْنَا الْإِجْمَاعَ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَإِنْ قُلْنَا إنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّكَ تَمُوتُ قَبْلَ الْغَدِ عَصَيْتَ وَإِنْ كَانَ فِي عِلْمِهِ أَنَّكَ تَحْيَا فَلَكَ التَّأْخِيرُ قَالَ فَمَا يُدْرِينِي مَا فِي عِلْمِ اللَّهِ تعالى فما قولكم في حق الجاهل فلابد مِنْ الْجَزْمِ بِتَحْلِيلٍ أَوْ تَحْرِيمٍ فَإِنْ قِيلَ إذَا جَوَّزْتُمْ تَأْخِيرَهُ

أَبَدًا وَلَا يَعْصِي إذَا مَاتَ فَلَا مَعْنَى لِوُجُوبِهِ قُلْنَا تَحَقَّقَ الْوُجُوبُ بِأَنَّهُ لَمْ يَجُزْ التَّأْخِيرُ إلَّا بِشَرْطِ الْعَزْمِ وَلَا يَجُوزُ الْعَزْمُ عَلَى التَّأْخِيرِ إلَّا إلَى مدة تغلب عَلَى ظَنِّهِ الْبَقَاءُ إلَيْهَا كَتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ مِنْ سَاعَةٍ إلَى سَاعَةٍ وَتَأْخِيرِ الصَّوْمِ مِنْ يَوْمٍ إلَى يَوْمٍ مَعَ الْعَزْمِ عَلَى التَّفَرُّغِ لَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَتَأْخِيرِ الْحَجِّ مِنْ سَنَةٍ إلَى سَنَةٍ فَلَوْ عَزَمَ الْمَرِيضُ الْمُشْرِفُ عَلَى الْهَلَاكِ عَلَى التَّأْخِيرِ شَهْرًا أَوْ الشَّيْخُ الضَّعِيفُ علي التأخير سِنِينَ وَغَالِبُ ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَبْقَى إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ عَصَى بِهَذَا التَّأْخِيرِ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ وَوُفِّقَ لِلْعَمَلِ لِأَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِظَنِّهِ كَالْمُعَزَّرِ إذا ضرب ضربا يهلك أو قطع سلعة وَغَالِبُ ظَنِّهِ الْهَلَاكُ بِهَا يَأْثَمُ وَإِنْ سَلِمَ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْحَجِّ مِنْ سَنَةٍ إلَى سَنَةٍ لِأَنَّ الْبَقَاءَ إلَى سَنَةٍ لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وَرَآهُ الشَّافِعِيُّ غَالِبًا عَلَى الظَّنِّ فِي الشَّابِّ الصَّحِيحِ دون الشيح وَالْمَرِيضِ ثُمَّ الْمُعَزَّرُ إذَا فَعَلَ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ السَّلَامَةُ فَهَلَكَ مِنْهُ ضَمِنَ لِأَنَّهُ أَخْطَأَ فِي ظَنِّهِ وَالْمُخْطِئُ ضَامِنٌ غَيْرُ آثِمٍ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ

* وَلَنَا فِيمَنْ أَخَّرَ الْحَجَّ حَتَّى مَاتَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ اصحها يموت عاصيا الشيخ والشاب الصحيح الثاني لَا يَمُوتُ عَاصِيًا وَالثَّالِثُ يَعْصِي الشَّيْخُ دُونَ الشَّابِّ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ هُنَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ الْعِصْيَانُ مُطْلَقًا وَسَنَبْسُطُ الْمَسْأَلَةَ بِفُرُوعِهَا وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْعِصْيَانِ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>