{إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} [الأنعام: ١٥٦] ذِمِّيَّةً كَانَتْ أَوْ حَرْبِيَّةً بِخِلَافِ عَبَدَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالصُّوَرِ وَالنُّجُومِ وَالْمُعَطِّلَةِ وَالزَّنَادِقَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ وَالْمَجُوس قَالَ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: ٥] أَيْ: حِلٌّ لَكُمْ وَقَالَ: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: ٢٢١] فَالْمُرَادُ مِنْ الْكِتَابِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ دُونَ سَائِرِ الْكُتُبِ قَبْلَهُمَا كَصُحُفِ شِيثٍ وَإِدْرِيسَ وَإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ بِنَظْمٍ يُدْرَسُ وَيُتْلَى، وَإِنَّمَا أُوحِيَ إلَيْهِمْ مَعَانِيَهَا وَقِيلَ: لِأَنَّهَا حِكَمٌ وَمَوَاعِظُ لَا أَحْكَامٌ وَشَرَائِعُ وَفَرَّقَ الْقَفَّالُ بَيْنَ الْكِتَابِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ غَيْرَهَا اجْتَمَعَ فِيهِ نَقْصَانِ: الْكُفْرُ فِي الْحَالِ وَفَسَادُ الدِّينِ فِي الْأَصْلِ، وَالْكِتَابِيَّةُ فِيهَا نَقْصٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ كُفْرُهَا فِي الْحَالِ.
(يُعْلَمَنْ قَدْ آمَنَ الْأَوَّلُ مِنْ آبَائِهَا مِنْ قَبْلِ تَحْرِيفٍ بِأَنْبِيَائِهَا) أَيْ: وَإِنَّمَا تَحِلُّ غَيْرُ الْإِسْرَائِيلِيَّة مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى إنْ
ــ
[حاشية العبادي]
كَلَامِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالصِّحَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ فِي صِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ، وَقَدْ قَالُوا لَوْ كَانَ تَحْتَهُ مَجُوسِيَّةٌ أَوْ وَثَنِيَّةٌ وَتَخَلَّفَتْ عَنْ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الدُّخُولِ تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ، أَوْ بَعْدَهُ فَلَا إلَّا أَنْ يَصْبِرَ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْتُهُ اهـ وَمِمَّا يُخَالِفُ مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ قَوْلُهُمْ: لِلسَّيِّدِ تَزْوِيجُ أَمَتِهِ الْكَافِرَةِ بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ، وَلَوْ غَيْرَ كِتَابِيَّةٍ وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ فِي الْجِنْسِ الثَّالِثِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَنِكَاحُ الْحُرِّ الْمَجُوسِيِّ أَوْ الْوَثَنِيِّ مَعَ الْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ أَيْ: أَوْ الْوَثَنِيَّةِ كَالْكِتَابِيِّ الْأَمَةَ الْكِتَابِيَّةَ اهـ وَقَالَ: قِيلَ: ذَلِكَ لَا عَلَى كِتَابِيٍّ حُرٍّ أَوْ غَيْرِهِ أَيْ: لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأَمَةُ الْكِتَابِيَّةُ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مُخَالَفَةُ الْكُفَّارِ لِلْمُسْلِمِينَ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ تَحْرِيمِ غَيْرِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، وَإِنْ كَانُوا مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ إذْ لَوْ اقْتَضَتْ مُخَاطَبَتُهُمْ ذَلِكَ لَاقْتَضَتْ تَحْرِيمَ الْأَمَةِ غَيْرِ الْكِتَابِيَّةِ عَلَيْهِمْ عَلَى أَنَّ مُخَاطَبَتَهُمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ لَا تَسْتَلْزِمُ مُسَاوَاتَهُمْ لَنَا فِي هَذَا الْفَرْعِ الْمَخْصُوصِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَفَسَادُ الدِّينِ فِي الْأَصْلِ)
[حاشية الشربيني]
الْجَلَالِ. (قَوْلُهُ: أَيْضًا وَإِنَّمَا حَلَّتْ لَنَا) أَيْ: دُونَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا إذْ لَا يُنَاسِبُ أَنْ تَكُونَ الْكَافِرَةُ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَمَّا التَّسَرِّي بِهَا فَيَحِلُّ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ فَإِنَّ تَسَرِّيَهُ بِصَفِيَّةَ وَرَيْحَانَةَ كَانَ بَعْدَ إسْلَامِهِمَا كَمَا عَلَيْهِ أَهْلُ السِّيَرِ وَاعْتَمَدَهُ ع ش.
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا حَلَّتْ إلَخْ) أَيْ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: ٥] أَيْ: حَلَّ لَكُمْ، وَالْمُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ الْحَرَائِرُ كَمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ. (قَوْلُهُ: وَالصُّوَرِ) أَيْ: الصُّوَرُ الْحَسَنَةُ لِزَعْمِهِمْ أَنَّ الْإِلَهَ قَدْ حَلَّ فِيهَا. (قَوْلُهُ: وَالْبَاطِنِيَّةِ) وَهُمْ فِرْقَةٌ مِنْ غُلَاةِ الشِّيعَةِ يَقُولُونَ: لِلْقُرْآنِ ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْبَاطِنُ فَقَطْ لَا الظَّاهِرُ الَّذِي يُعْلَمُ مِنْ اللُّغَةِ فَمَنْ تَمَسَّكَ بِظَاهِرِهِ يَكُونُ مُتْعِبًا لِنَفْسِهِ. اهـ. الْأَنْوَارُ وَحَوَاشِيهِ. (قَوْلُهُ: كَصُحُفِ شِيثٍ) هِيَ خَمْسُونَ وَصُحُفِ إدْرِيسَ ثَلَاثُونَ وَصُحُفِ إبْرَاهِيمَ عَشْرَةٌ وَالْعَشَرَةُ الْبَاقِيَةُ مِنْ الْمِائَةِ أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى قَبْلَ التَّوْرَاةِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْله تَعَالَى {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى: ١٩] . اهـ. ق ل بِزِيَادَةٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ بِنَظْمٍ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ قِيلَ: لِأَنَّهَا إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أَوْحَى إلَخْ) أَيْ: فَهِمُوا مَعَانِيَهَا بِإِلْهَامٍ مِنْ اللَّهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أَوْحَى إلَيْهِمْ مَعَانِيَهَا) اعْتَرَضَهُ ق ل بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى إنْزَالًا فَيَبْطُلُ قَوْلُهُمْ: الْكُتُبُ الْمُنَزَّلَةُ مِنْ السَّمَاءِ؛ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ جَمِيعَ مَا يَقُولُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْدُودٌ مِنْ كِتَابِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْطِقُ إلَّا عَنْ وَحْيٍ وَلَا قَائِلَ بِهِ، فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ عَلَيْهِمْ بِأَلْفَاظٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إمَّا بِالْعَرَبِيَّةِ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ قَوْلَيْنِ وَهُمْ يَعْرِفُونَهَا؛ لِأَنَّهَا مَرْكُوزَةٌ فِي طِبَاعِهِمْ أَوْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَلْهَمَهُمْ مَعَانِيَهَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَهَا فَعَبَّرُوا عَنْهَا بِأَلْفَاظٍ تُوَافِقُ لُغَةَ قَوْمِهِمْ، وَأَمَّا بِأَلْفَاظٍ مِنْ لُغَتِهِمْ لَكِنَّهُمْ لَمْ يُؤَمَّرُوا بِالتَّعَبُّدِ بِهَا أَيْ: بِخِلَافِ نَحْوِ التَّوْرَاةِ فَعَبَّرُوا عَنْهَا بِمَا يُوَافِقُ طِبَاعَ قَوْمِهِمْ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ. اهـ. وَقَوْلُهُ: فَعَبَّرُوا أَيْ: الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَهُوَ رَاجِعٌ لِلِاحْتِمَالَيْنِ مَعْرِفَتُهُمْ لَهَا وَإِلْهَامُهُمْ مَعَانِيَهَا وَبِذَلِكَ فَارَقَتْ غَيْرَهَا مِنْ الْكُتُبِ كَالتَّوْرَاةِ فَإِنَّهَا مُعَبِّرَةٌ بِأَلْفَاظِهَا النَّازِلَةِ لَكِنَّ هَذَا لَا يَظْهَرُ عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهَا كُلُّهَا نَزَلَتْ عَرَبِيَّةً ثُمَّ عُبِّرَ عَنْهَا بِاللُّغَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ فَلْيُحَرَّرْ.
(قَوْلُهُ: وَفَسَادُ الدِّينِ فِي الْأَصْلِ) اسْتَشْكَلَ الْقَوْلُ بِالْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: نَزَلَ فَاسِدًا وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ فَاسِدٌ الْآنَ وَرُدَّ أَنَّ التَّوْرَاةَ وَنَحْوَهَا كَذَلِكَ، وَالْجَوَابُ بِأَنَّ تَمَسُّكَهُمْ بِهِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِاتِّبَاعِهِ فِيهِ نَظَرٌ. اهـ. ق ل فَلْيُتَأَمَّلْ. وَجْهُ النَّظَرِ وَفِي حَاشِيَةِ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: وَفَسَادُ الدِّينِ يَعْنِي أَنَّهُمْ لَمَّا تَمَسَّكُوا بِمَا لَمْ يَنْزِلْ بِنَظْمٍ يُدَرَّسُ كَانَ بِمَثَابَةِ الدِّينِ الْفَاسِدِ أَوْ الْمُرَادُ بِالدِّينِ التَّمَسُّكُ أَيْ: وَفَسَادُ التَّمَسُّكِ. اهـ. وَهَذَا إنْ كَانَتْ أَحْكَامًا أُوحِيَتْ إلَيْهِمْ بِدُونِ أَلْفَاظٍ، فَإِنْ كَانَتْ حُكْمًا فَالتَّمَسُّكُ بِهَا كَلَا تَمَسُّكٍ، وَكَوْنُهَا بِمَنْزِلَةِ الدِّينِ الْفَاسِدِ لِعَدَمِ الْأَصْلِ فِيمَا يُتَمَسَّكُ بِهِ، وَهُوَ الْأَلْفَاظُ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ: فِي فَسَادِ التَّمَسُّكِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: يَعْلَمْنَ) أَيْ: بِعَدَدِ التَّوَاتُرِ أَوْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ لَا بِقَوْلِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ م ر قَالَ سم: وَعَدَمُ الثُّبُوتِ بِقَوْلِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الظَّاهِرِ فَيَحِلُّ النِّكَاحُ بِعِلْمِهِمَا ذَلِكَ بَاطِنًا فِيمَا يَظْهَرُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا تَحِلُّ إلَخْ) أَيْ: مَحَلُّ وَطْئِهَا بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ. اهـ. سم عَنْ م ر (قَوْلُهُ: غَيْرُ الْإِسْرَائِيلِيَّة) أَيْ: غَيْرُهَا يَقِينًا بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهَا غَيْرُ إسْرَائِيلِيَّةٍ أَوْ شَكَّ فِيهَا. اهـ. بُجَيْرِمِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ. (قَوْلُهُ: غَيْرُ الْإِسْرَائِيلِيَّة) قَالَ الطُّوخِيُّ: جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَّا اثْنَيْ عَشَرَ أَيُّوبُ فَإِنَّهُ مِنْ بَنِي الصَّيْفِيِّ بْنِ إِسْحَاقَ فَهُوَ ابْنُ أَخِي إسْرَائِيلَ وَآدَمُ وَإِدْرِيسُ وَنُوحٌ وَصَالِحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَلُوطٌ وَإِسْحَاقُ وَإِسْمَاعِيلُ وَهُودٌ وَيَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. اهـ بِهَامِشِ شَرْحِ الرَّوْضِ. اهـ. مَرْصَفِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ وَانْظُرْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute