وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُغْنِيهِ فَوُجُودُهَا كَعَدَمِهَا وَرَجَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ تَبَعًا لِقَطْعِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْبَغَوِيِّ أَنَّهَا كَالصَّالِحَةِ لِلتَّمَتُّعِ فَلَا يَنْكِحُ الْأَمَةَ حَتَّى تَبِينَ مِنْهُ لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ تُنْكَحَ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» قَالَ: وَهُوَ، وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَهُوَ فِي مَعْنَى الْقُرْآنِ حَيْثُ وَافَقَهُ فِي النَّهْيِ وَمَعَهُ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ اهـ وَالْأَوَّلُ يَحْمِلُهُ عَلَى حُرَّةٍ تَصْلُحُ لِلتَّمَتُّعِ (أَوْلَهُ عَلَيْهَا) أَيْ: الْحُرَّةِ. (قَدْرَهْ) بِأَنْ يَجِدَهَا وَيَجِدَ صَدَاقَهَا فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُهُ مِنْ مَسْكَنِهِ وَخَادِمِهِ وَلِبَاسِهِ وَمَرْكُوبِهِ وَنَحْوِهَا أَوْ يَجِدَهَا بِوُجُوبِ الْإِعْفَافِ عَلَى وَلَدِهِ لِمَفْهُومِ الْآيَةِ الْآتِيَةِ
وَقَدْ صَرَّحَ بِمَسْأَلَةِ الْإِعْفَافِ فِي فَصْلِ الْخِيَارِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: بَدْؤُهُ مَا لَوْ نَكَحَ أَمَةً ثُمَّ قَدَرَ عَلَى حُرَّةٍ، فَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْأَمَةِ لِقُوَّةِ الدَّوَامِ عَلَى الِابْتِدَاءِ. (وَلَوْ) كَانَتْ الْحُرَّةُ الَّتِي تَحْتَهُ أَوْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا. (كِتَابِيَّةً) ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ لِمَا مَرَّ وَذِكْرُ الْمُؤْمِنَاتِ فِي الْآيَةِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْمُؤْمِنَ إنَّمَا يَرْغَبُ فِي الْمُؤْمِنَةِ وَمِنْ أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ مَهْرِ الْمُؤْمِنَةِ عَجَزَ عَنْ مَهْرِ الْكِتَابِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَرْضَى بِالْمُؤْمِنِ إلَّا بِمَهْرٍ كَثِيرٍ. (أَوْ) كَانَتْ حُرَّةً (مَنْ) أَيْ: الَّتِي (بِأَقَلْ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ قَنِعَتْ) مِنْهُ، وَهُوَ يَجِدُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ وَالْمِنَّةُ بِالنَّقْصِ فِيهِ قَلِيلَةٌ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالْمُسَامَحَةِ فِي الْمُهُورِ وَنَظِيرُهُ مَا إذَا وَجَدَ الْمَاءَ بِثَمَنٍ بَخْسٍ لَا يَتَيَمَّمُ (لَا) إنْ قَنَعَتْ بِمَهْرٍ (ذِي أَجَلٍ) أَيْ: مُؤَجَّلٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ حَالًا، وَإِنْ تَوَقَّعَ قُدْرَتَهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَحَلِّ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ تَشْتَغِلُ فِي الْحَالِ، وَقَدْ يَعْجَزُ عَمَّا يَتَوَقَّعُهُ، وَفُهِمَ مِنْهُ بِالْأَوْلَى عَدَمُ اعْتِبَارِ قُدْرَتِهِ بِالْقَرْضِ إذْ لَا أَجَلَ فِيهِ. (وَلَا الَّتِي غَابَتْ) عَنْ بَلَدِهِ غِيَابًا. (بَعِيدًا) بِأَنْ تَلْحَقَهُ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ فِي قَصْدِهَا أَوْ خَافَ زِنًا مُدَّتَهُ، فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُ الْأَمَةِ، وَضَبَطَ الْإِمَامُ الْمَشَقَّةَ بِأَنْ يُنْسَبَ مُتَحَمِّلُهَا فِي طَلَبِ الزَّوْجَةِ إلَى الْإِسْرَافِ وَمُجَاوَزَةِ الْحَدِّ، فَإِنْ انْتَفَتْ الْمَشَقَّةُ وَخَوْفُ الزِّنَا حُرِّمَتْ الْأَمَةُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمَحَلُّهُ إذَا أَمْكَنَ انْتِقَالُ الْحُرَّةِ مَعَهُ إلَى وَطَنِهِ، وَإِلَّا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَالْمَعْدُومَةِ لِمَا فِي تَكْلِيفِهِ الْمُقَامَ مَعَهَا هُنَاكَ مِنْ التَّغَرُّبِ، وَالرُّخْصَةُ لَا تَحْتَمِلُ هَذَا التَّضْيِيقَ.
(وَ) لَا. (الَّتِي غَالَتْ) فِي الْمَهْرِ أَيْ: طَلَبَتْ زَائِدًا عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا، وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَجِبُ شِرَاءُ الْمَاءِ لِلطُّهْرِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ، كَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ: وَقَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ: هَذَا إنْ كَانَ الزَّائِدُ يُعَدُّ بَذْلُهُ إسْرَافًا، وَإِلَّا فَتَحْرُمُ الْأَمَةُ، وَفَرَّقَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَاءِ الطُّهْرِ بِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْمَاءِ تَتَكَرَّرُ وَعَلَى هَذَا جَرَى النَّوَوِيُّ فِي تَنْقِيحِهِ، وَلَا يَمْنَعُهُ أَيْضًا مِنْ الْأَمَةِ قُدْرَتُهُ عَلَى الْمُفَوِّضَةِ لِوُجُوبِ مَهْرِهَا عَلَيْهِ بِالْوَطْءِ؛ وَلِأَنَّ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِالْفَرْضِ فِي الْحَالِ فَتَشْتَغِلَ ذِمَّتُهُ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ. (وَ) لَا إنْ كَانَتْ (رَتْقَا) أَوْ قَرْنَاءَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلتَّمَتُّعِ
. (وَ) حُرِّمَ أَيْضًا بَدْؤُهُ نِكَاحَ أَمَةٍ (بِأَمْنِ) أَيْ: مَعَ أَمْنِ. (الْعَنَتِ) أَيْ: الزِّنَا لِضَعْفِ شَهْوَةٍ أَوْ لِقُوَّةِ تَقْوَى أَوْ مُرُوءَةٍ أَوْ نَحْوِهَا كَقُدْرَتِهِ عَلَى التَّسَرِّي كَمَا سَيَأْتِي وَأَصْلُ الْعَنَتِ الْمَشَقَّةُ سُمِّيَ بِهِ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهَا بِالْحَدِّ فِي الدُّنْيَا وَالْعُقُوبَةِ فِي الْأُخْرَى بِخِلَافِ مَنْ خَافَ الْعَنَتَ، وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ وُقُوعُهُ بَلْ تَوَقَّعَهُ لَا عَلَى نُدُورٍ، وَيَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ إذْ لَمْ يَنْكِحْ حُرَّةً، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: ٢٥] إلَى قَوْلِهِ {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٥] ، وَالطَّوْلُ السَّعَةُ وَالْمُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ الْحَرَائِرُ قَالَ الْإِمَامُ وَالْمُتَوَلِّي: وَلَيْسَ لِلْمَجْبُوبِ نِكَاحُ أَمَةٍ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الزِّنَا وَقَالَ الرُّويَانِيُّ: لَهُ وَلِلْخَصِيِّ ذَلِكَ عِنْدَ خَوْفِ الْوُقُوعِ فِي الْفِعْلِ الْمُؤْثِمِ؛ لِأَنَّ الْعَنَتَ الْمَشَقَّةُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا قَالَ الْقَاضِي: وَلَيْسَ لِلْعِنِّينِ ذَلِكَ وَفِي الْقَوَاعِدِ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ يَنْبَغِي جَوَازُ ذَلِكَ لِلْمَمْسُوحِ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُهُ.
(وَلَوْ تَسَرِّيًا) أَيْ: وَلَوْ كَانَ الْأَمْنُ بِالتَّسَرِّي، فَإِنَّهُ لَا يَنْكِحُ الْأَمَةَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ خَائِفٍ مِنْ الْعَنَتِ، وَلَوْ مَلَكَ أَمَةً مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ فَإِنْ وَفَّتْ قِيمَتُهَا بِمَهْرِ حُرَّةٍ أَوْ ثَمَنِ أَمَةٍ يَتَسَرَّاهَا حُرِّمَ عَلَيْهِ نِكَاحُ الْأَمَةِ، وَإِلَّا، فَلَا وَكَالْأَمَةِ فِيمَا ذَكَرَ الْمُبَعَّضَةُ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ النَّظْمِ كَأَصْلِهِ خِلَافَهُ، وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسَرِّي تَمْنَعُ نِكَاحَ الْأَمَةِ عَقَّبَهُ بِذِكْرِ مَنْ يَحِلُّ وَطْؤُهَا
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ لَا إنْ قَنَعَتْ بِمَهْرٍ ذِي أَجَلٍ إلَخْ) وَلَا إنْ وُجِدَ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ بِأُجْرَةٍ مُعَجَّلَةٍ تَفِي بِصَدَاقِهَا أَوْ مَنْ يَبِيعُهُ نَسِيئَةَ مَا يَفِي بِهِ أَوْ مَنْ يُقْرِضُهُ أَوْ يَهَبُ لَهُ كَمَا فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ كَغَيْرِهِمَا. (قَوْلُهُ: إذَا أَمْكَنَ انْتِقَالُ الْحُرَّةِ مَعَهُ) أَيْ: بِأَنْ كَانَتْ تُجِيبُ إلَى الِانْتِقَالِ أَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى إجْبَارِهَا عَلَيْهِ بِالْحَاكِمِ أَوْ بِدُونِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ إلَخْ) بِأَنْ كَانَتْ لَا تُجِيبُ لِلِانْتِقَالِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إجْبَارِهَا عَلَيْهِ، وَلَوْ بِالْحَاكِمِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: كَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمَنْهَجِ
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَنْ خَافَ الْعَنَتَ) أَيْ: عَلَى الْعُمُومِ حَتَّى لَوْ خَافَهُ مِنْ أَمَةٍ بِعَيْنِهَا لِحُبِّهِ لَهَا وَشِدَّةِ مَيْلِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ نِكَاحُهَا بِرّ وم ر
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلْعِنِّينِ ذَلِكَ) يَنْبَغِي إلَّا أَنْ تُوجَدَ شُرُوطُ نِكَاحِ الْأَمَةِ م ر. (قَوْلُهُ يَنْبَغِي جَوَازُ ذَلِكَ لِلْمَمْسُوحِ مُطْلَقًا) الْمُعْتَمَدُ الْمَنْعُ م ر. (قَوْلُهُ: وَكَالْأَمَةِ فِيمَا ذَكَرَ الْمُبَعَّضَةُ) قَالَ فِي الرَّوْضِ: وَفِي نِكَاحِ الْمُحْصَنَةِ مَعَ تَيَسُّرِ الْمُبَعَّضَةِ تَرَدُّدٌ قَالَ فِي شَرْحِهِ: لِأَنَّ إرْقَاقَ بَعْضِ الْوَلَدِ أَهْوَنُ مِنْ إرْقَاقِ كُلِّهِ، وَعَلَى تَعْلِيلِ الْمَنْعِ الْمَذْكُورِ اقْتَصَرَ الْأَصْلُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الرَّاجِحُ؛ لِأَنَّ تَخْفِيفَ الرِّقِّ مَطْلُوبٌ وَالشَّرْعُ مُتَشَوِّفٌ
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: بِالْحَدِّ فِي الدُّنْيَا وَالْعُقُوبَةِ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ فَلَا يُخَالِفُ الْمُعْتَمَدَ مِنْ أَنَّ الْحُدُودَ جَوَابِرُ أَوْ يُقَالُ: إنَّ الْعِقَابَ عَلَى الْإِقْدَامِ. اهـ. حَاشِيَةُ مَنْهَجٍ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إلَخْ) ضَعِيفٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ م ر نَظَرًا لِعَدَمِ خَوْفِ الْعَنَتِ الَّذِي صَرَّحَتْ الْآيَةُ بِاشْتِرَاطِهِ. (قَوْلُهُ: جَوَازُ ذَلِكَ لِلْمَمْسُوحِ) قَالَ م ر: هُوَ خَطَأٌ فَاحِشٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِنَصِّ الْآيَةِ، وَهُوَ أَمْنُ الْعَنَتِ.
(قَوْلُهُ: الْمُبَعَّضَةُ) وَيَجِبُ تَقْدِيمُ قَلِيلَةِ الرِّقِّ عَلَى كَثِيرَتِهِ وَمَنْ عَلَّقَ حُرِّيَّةَ