مِنْ مَالِ أَخِيهِ إلَّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ» . رَوَاهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ فِي مُعْظَمِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدٌ فِي بَعْضِهِ (فَلَوْ رَضِيَ) الْمَالِكُ عَلَى الْجَدِيدِ بِالْوَضْعِ (بِلَا عِوَضٍ فَهُوَ إعَارَةٌ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَوْضُوعِ (وَكَذَا بَعْدَهُ فِي الْأَصَحِّ) كَسَائِرِ الْعَوَارِيِّ (وَفَائِدَةُ الرُّجُوعِ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَهُ) أَيْ الْمَوْضُوعَ الْمَبْنِيَّ عَلَيْهِ (بِأُجْرَةٍ أَوْ يَقْلَعَ) ذَلِكَ (وَيَغْرَمَ أَرْشَ نَقْصِهِ) كَمَا لَوْ أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ (وَقِيلَ: فَائِدَتُهُ طَلَبُ الْأُجْرَةِ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ الْقَلْعَ يَضُرُّ الْمُسْتَعِيرَ فَإِنَّ الْجُذُوعَ إذَا رُفِعَتْ أَطْرَافُهَا لَمْ تُسْتَمْسَكْ عَلَى الْجِدَارِ الْبَاقِي.
وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا رُجُوعَ لَهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْإِعَارَةِ يُرَادُ بِهَا التَّأْبِيدُ كَالْإِعَارَةِ لِدَفْنِ مَيِّتٍ (وَلَوْ رَضِيَ بِوَضْعِ الْجُذُوعِ وَالْبِنَاءِ عَلَيْهَا بِعِوَضٍ فَإِنْ أَجَّرَ رَأْسَ الْجِدَارِ لِلْبِنَاءِ فَهُوَ إجَارَةٌ) تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ مُدَّةٍ وَتَتَأَبَّدُ لِلْحَاجَةِ (وَإِنْ قَالَ: بِعْته لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ أَوْ بِعْتُ حَقَّ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ فِيهِ شَوْبُ بَيْعٍ وَ) شَوْبُ (إجَارَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ تَتَأَبَّدُ فَشَوْبُ الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ التَّأْبِيدُ (فَإِذَا بَنَى فَلَيْسَ لِمَالِكِ الْجِدَارِ نَقْضُهُ بِحَالٍ) أَيْ لَا مَجَّانًا وَلَا مَعَ إعْطَاءِ أَرْشِ نَقْصِهِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الدَّوَامِ بِعَقْدٍ لَازِمٍ (وَلَوْ انْهَدَمَ الْجِدَارُ) بَعْدَ بِنَاءٍ
ــ
[حاشية قليوبي]
قَوْلُهُ: (مِنْ مَالِ أَخِيهِ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْمَالِ مَا يَشْمَلُ الْمَنْفَعَةَ بَلْ، وَالِاخْتِصَاصَ تَغْلِيبًا وَبِالْإِعْطَاءِ مَا يَعُمُّ السَّمَاحَ، وَعِلْمَ الرِّضَا، وَذَكَرَ الْأَخَ لِلْغَالِبِ وَهَذَا يَشْمَلُ الْجَارَ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (وَكُلٍّ) مَجْرُورٌ عَطْفٌ عَلَى الشَّيْخَيْنِ وَمُنْفَرِدًا حَالٌ مِنْهُ، وَفِي بَعْضِهِ عَطْفٌ عَلَى فِي مُعْظَمِهِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ فَإِنَّ شَرْطَ الْبُخَارِيِّ أَخَصُّ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَرْشَ نَقْصِهِ) وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ قَائِمًا مُسْتَحِقَّ الْقَلْعِ وَمَقْلُوعًا، وَلَيْسَ لَهُ التَّمَلُّكُ بِالْقِيمَةِ، كَمَا فِي إعَارَةِ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ أَصْلٌ تُسْتَتْبَعُ فَالتَّشْبِيهُ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ. قَوْلُهُ: (أَصْلًا) أَيْ سَوَاءٌ طَلَبَ أُجْرَةً أَوْ لَا تَخَيَّرَ بَيْنَ التَّبْقِيَةِ وَالْأُجْرَةِ أَوْ لَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. قَوْلُهُ: (يُرَادُ بِهَا التَّأْبِيدُ) أَيْ مَا دَامَ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ فَلَوْ انْهَدَمَ بَطَلَتْ بِهِ الْعَارِيَّةُ، وَلَيْسَ لَهُ الْإِعَادَةُ بَعْدُ إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ اتِّفَاقًا أَخْذًا مِنْ التَّشْبِيهِ. قَوْلُهُ: (تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ مُدَّةٍ وَتَتَأَبَّدُ لِلْحَاجَةِ) فَإِنْ قُدِّرَتْ تَقَدَّرَتْ، وَمَحَلُّ عَدَمِ التَّقْدِيرِ فِي غَيْرِ الْوَقْفِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِذَا انْقَضَتْ جَاءَتْ الْخِصَالُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي رُجُوعِ الْمُعِيرِ. قَوْلُهُ: (بِعْتُهُ إلَخْ) هُمَا عِبَارَتَانِ: الْأُولَى مِنْهُمَا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالثَّانِيَةُ لِلْإِمَامِ وَعَلَى كُلٍّ فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ، وَلَوْ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ أَوْ نَفْيِ الْبِنَاءِ صَحَّ الْعَقْدُ، وَامْتَنَعَ الْبِنَاءُ فِي الثَّانِي، وَيُنْتَفَعُ بِهِ بِغَيْرِ الْبِنَاءِ كَجُلُوسٍ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (شَوْبٌ) وَفِي الْمُحَرَّرِ شَائِبَةٌ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ مُؤَنَّثُ شَائِبٍ وَلَا يَصِحُّ هُنَا. قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ الْجِدَارِ نَقْضُهُ) نَعَمْ، لَوْ اشْتَرَى حَقَّ الْبِنَاءِ مِمَّنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ فَلَهُ نَقْضُهُ مَعَ أَرْشِ نَقْصِهِ، وَلَهُ إبْقَاؤُهُ بِأُجْرَةٍ كَمَا فِي الْعَارِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ انْهَدَمَ الْجِدَارُ) أَيْ بِنَفْسِهِ بَعْدَ بِنَاءِ الْمُشْتَرِي أَيْ بَعْدَ وَضْعِ الْمُسْتَحَقِّ الشَّامِلِ لِلْبِنَاءِ وَغَيْرِهِ، وَلِلْمُسْتَأْجِرِ وَلَكِنَّ الشَّارِحَ
[حاشية عميرة]
مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ الْعَامُّ، ثُمَّ رَأَيْت الْعِرَاقِيَّ نَقَلَ عَنْ الْبَيْهَقِيّ نَحْوَ هَذَا، وَقَدْ رَأَيْت فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فِي بَابِ الْحَوَالَةِ لَمَّا سَاقَ حَدِيثَ «وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» . قَالَ: صَرَفَ الْأَمْرَ عَنْ الْوُجُوبِ الْقِيَاسُ اهـ. فَإِنْ صَحَّ أَنَّ الْقِيَاسَ يَصْرِفُ الْأَمْرَ عَنْ الْوُجُوبِ، جَازَ أَنْ تَقُولَ بِهِ هُنَا صَرْفُ النَّهْيِ عَنْ التَّحْرِيمِ الْقِيَاسُ فَلْيُتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (إلَّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ) أَيْ فَحُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِقُوَّةِ الرِّوَايَاتِ الْمُعَارِضَةِ وَكَثْرَتِهَا، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَلَوْ رَضِيَ إلَخْ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: هُوَ وَمَا بَعْدَهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْجَدِيدِ اهـ.
وَيُرِيدُ بِمَا بَعْدَهُ مَا يَشْمَلُ قَوْلَهُ الْآتِيَ وَإِنْ قَالَ بِعْتُهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ أَعَارَ أَرْضًا) أَيْ لَكِنْ هُنَاكَ خَاصَّةٌ أُخْرَى، وَهِيَ التَّمَلُّكُ بِالْقِيمَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: لَا تَتَأَتَّى هُنَا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَهَا قُوَّةُ الِاسْتِتْبَاعِ بِخِلَافِ الْجِدَارِ. قَوْلُهُ: (لَمْ تَسْتَمْسِكْ) أَيْ فَقَدْ تَعَدَّى أَثَرُ الرُّجُوعِ لِغَيْرِ الْعَيْنِ الْمُعَارَةِ فَيُمْنَعُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَوْ رَضِيَ بِوَضْعِ الْجُذُوعِ إلَخْ) هُوَ مِنْ تَفْرِيعِ الْجَدِيدِ، وَعَلَى الْقَدِيمِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ، وَلَا يُشْكِلُ بِمَا لَوْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ، وَلَمْ تَجِدْ مَنْ يُعَلِّمُهَا الْفَاتِحَةَ إلَّا وَاحِدًا فَأَصْدَقَهَا تَعْلِيمَهَا، فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْوُجُوبُ لَاقَى الْمَرْأَةَ أَوَّلًا بِخِلَافِ هَذَا، فَإِنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْجَارِ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ. قَوْلُهُ: (تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ مُدَّةٍ إلَخْ) أَيْ فَكَانَ ذَلِكَ فِي مَعْنَى النِّكَاحِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فِيهِ شَوْبُ بَيْعٍ إلَخْ) أَيْ جَوَّزَ ذَلِكَ لِحَاجَةِ التَّأْبِيدِ فِي الْحُقُوقِ الْمَذْكُورَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِحَالٍ) لَوْ اشْتَرَى مَا بَاعَهُ مِنْ حَقِّ الْبِنَاءِ جَازَ ذَلِكَ، وَبَاقِي خِصَالِ الْعَارِيَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ. وَمِمَّا دَخَلَ فِي الْحَالِ الْمَنْفِيَّةِ أَنْ يُرِيدَ الْبَائِعُ نَقْضَ جِدَارِ نَفْسِهِ، فَلَا يُمْكِنُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَوْ انْهَدَمَ الْجِدَارُ إلَخْ) مِنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute