وَيَجُوزُ: لِلْمَالِكِ (فَتْحُ الْكَوَّاتِ) فِي جِدَارِهِ لِلِاسْتِضَاءَةِ بَلْ يَجُوزُ لَهُ إزَالَةُ بَعْضِ الْجِدَارِ وَجَعْلُ شُبَّاكٍ مَكَانَهُ وَالْكَوَّةُ بِفَتْحِ الْكَافِ طَاقَةٌ (وَالْجِدَارُ بَيْنَ الْمَالِكَيْنِ) لِبِنَاءَيْنِ (قَدْ يَخْتَصُّ) أَيْ يَنْفَرِدُ (بِهِ أَحَدُهُمَا) وَيَكُونُ سَاتِرًا لِلْآخَرِ (وَقَدْ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ فَالْمُخْتَصُّ) بِهِ أَحَدُهُمَا (لَيْسَ لِلْآخَرِ وَضْعُ الْجُذُوعِ) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ الْخَشَبِ (عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنٍ فِي الْجَدِيدِ وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ) لَهُ إنْ امْتَنَعَ مِنْ وَضْعِهَا، وَالْقَدِيمُ عَكْسُ ذَلِكَ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ: «لَا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ» أَيْ الْأَوَّلِ؛ وَخَشَبَةٌ رُوِيَ بِالْإِفْرَادِ مَنُونًا وَالْأَكْثَرُ بِالْجَمْعِ مُضَافًا، وَعُورِضَ بِحَدِيثِ خُطْبَةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ
ــ
[حاشية قليوبي]
فَهُوَ إجَارَةٌ) وَتُقَدَّرُ بِقَدْرِهِمَا. قَوْلُهُ: (وَسَكَتَ الشَّيْخَانِ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ فَهُوَ صَحِيحٌ مُعْتَمَدٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْجَوَازِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الدَّرْبِ نَحْوُ مَسْجِدٍ كَدَارٍ مَوْقُوفَةٍ، وَلَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ الْبَيْعُ فِي الْمَوْقُوفِ، وَحُقُوقِهِ قَالَ: وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ لَا يَخْفَى عَلَى الْفَقِيهِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَا يَخُصُّ الْوَقْفَ مِنْ الْأُجْرَةِ إنْ كَانَ قَدْرَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا، وَشَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ تَوَقَّفَ فِي الْإِجَارَةِ، وَلَوْ فِي الْوَقْفِ الْحَادِثِ، وَفِي جَوَازِ الْإِذْنِ فِي فَتْحِ الْبَابِ مَجَّانًا أَيْضًا اهـ. وَفِي هَذِهِ الْإِشَارَةِ وَالتَّوَقُّفِ بَحْثٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْأَذْرَعِيِّ إنْ كَانَ فِي الْقَدْرِ الَّذِي مِنْ رَأْسِ الدَّرْبِ إلَى الْمَسْجِدِ، أَوْ الدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ، فَلَا يَخْفَى أَنَّ لَهُ حُكْمَ الشَّارِعِ النَّافِذِ فِيمَا مَرَّ. وَلَيْسَ فِيهِ بَيْعٌ، وَلَا إجَارَةٌ وَلَا صُلْحٌ عَلَى جَنَاحٍ، وَلَا فَتْحُ بَابٍ وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِ الْمَسْجِدِ فَلَيْسَ فِيهِ بِذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِ دَارٍ مَوْقُوفَةٍ، فَلَا يَخْفَى حُكْمُهَا مِنْ بَابِ الْوَقْفِ فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ.
قَوْلُهُ: (فَتْحُ الْكَوَّاتِ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا، وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ جَمْعُ كَوَّةٍ وَهُوَ جَمْعُ قِلَّةٍ غَايَتُهُ إلَى تِسْعَةٍ، وَجَمْعُ تَكْسِيرِهِ الْكِوَاءُ بِكَسْرِ الْكَافِ مَعَ الْمَدِّ وَعَدَمِهِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى كَذَا قِيلَ، وَرُدَّ بِأَنَّ تَعْرِيفَهُ أَخْرَجَهُ إلَى جَمْعِ الْكَثْرَةِ، وَفَتْحُهَا جَائِزٌ، وَإِنْ أَشْرَفَتْ عَلَى دَارِ جَارِهِ وَحَرِيمِهِ نَعَمْ، يُمْتَنَعُ مِنْ جَعْلِ أَبْوَابٍ لَهَا تُفْتَحُ إلَى خَارِجِ مِلْكِهِ إلَّا إنْ جَازَ لَهُ الْفَتْحُ لِلِاسْتِطْرَاقِ. تَنْبِيهٌ لَهُ قِطْعَةُ أَرْضٍ فِي سِكَّةٍ فَأَرَادَ جَعْلَهَا دُورًا وَلِكُلِّ دَارٍ بَابًا لَمْ يُمْنَعْ، وَلَوْ كَانَ لَهُ فِيهَا دَارٌ فِي وَسَطِهَا، وَدَارٌ فِي آخِرِهَا، فَلِمَنْ بَيْنَهُمَا مَنْعُهُ مِنْ تَقْدِيمِ بَابِ الْمُتَوَسِّطَةِ إلَى آخِرِ السِّكَّةِ؛ لِأَنَّ شَرِكَتَهُ بِسَبَبِهَا إنَّمَا هُوَ إلَيْهَا. قَوْلُهُ: (لِبِنَاءَيْنِ إلَخْ) دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ الْمِلْكِيَّةِ فِي نَفْسِ الْجِدَارِ فَيُنَافِي مَا بَعْدَهُ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ بَيْنَ مِلْكَيْنِ، وَهِيَ أَخْصَرُ وَأَوْلَى فَعُدُولُ الْمُصَنِّفِ عَنْهَا لَا وَجْهَ لَهُ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (أَيْ يَنْفَرِدُ بِهِ) فُسِّرَ بِهِ الِاخْتِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ أَنْسَبُ بِالِاشْتِرَاكِ فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (لَيْسَ لِلْآخَرِ وَضْعُ الْجُذُوعِ) تَخْصِيصُهَا بِالذِّكْرِ لِكَوْنِهَا مَحَلَّ النَّصِّ، وَمِثْلُهَا غَيْرُهَا مِنْ سَائِرِ الِانْتِفَاعَاتِ كَبِنَاءٍ، وَفَتْحِ كَوَّةٍ وَغَرْزِ وَتِدٍ بِكَسْرِ التَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا، قَالَ شَيْخُنَا: وَلَوْ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ لِمُخَالَفَتِهَا لِلشَّرْعِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَالْقَدِيمُ عَكْسُ ذَلِكَ) لَكِنْ بِشُرُوطٍ سِتَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَهِيَ: أَنْ لَا يَحْتَاجَ مَالِكُهُ لِوَضْعِ جُذُوعِ نَفْسِهِ، وَأَنْ لَا يَزِيدَ الْجَارُ فِي ارْتِفَاعِ الْجُدْرَانِ، وَأَنْ لَا يَبْنِيَ أَزَجًا وَأَنْ لَا يَضَعَ عَلَيْهِ مَا يَضُرُّهُ، وَأَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ لَهُ، وَأَنْ لَا يَمْلِكَ شَيْئًا مِنْ جُدْرَانِ الْبُقْعَةِ الَّتِي يُرِيدُ تَسْقِيفَهَا أَوْ لَا يَمْلِكُ إلَّا جِدَارًا وَاحِدًا كَذَا ذَكَرُوهُ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (أَيْ الْأَوَّلُ) فَسَّرَ بِهِ الضَّمِيرُ لِيَصِحَّ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا لِلْقَدِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ الضَّمِيرُ لِلْجَارِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الْجِدَارِ لَسَقَطَ اسْتِدْلَالُهُ بِهِ، وَيَكُونُ فَائِدَةُ النِّيَّةِ جَوَازَهُ، وَإِنْ مَنَعَ الْهَوَاءَ عَنْ جَارِهِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (وَعُورِضَ) اكْتَفَى فِي رَدِّ الْقَدِيمِ بِالْمُعَارَضَةِ، وَإِنْ ثَبَتَ بِهَا اسْتِدْلَالُ الْجَدِيدِ أَيْضًا. وَنُوزِعَ فِي الْمُعَارَضَةِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ خَاصٌّ، وَهُوَ لَا يُعَارِضُ الْعَامَّ فِي حُكْمِهِ؛ لِأَنَّهُ فَرْدٌ مِنْهُ وَبِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ تَخْصِيصَ الْحَدِيثِ الثَّانِي، بِالْأَعْيَانِ دُونَ الْمَنَافِعِ، فَالْأَوْلَى حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى النَّدْبِ، وَصَرَفَهُ عَنْ الْوُجُوبِ الْقِيَاسُ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَمْلَاكِ فَتَأَمَّلْ.
[حاشية عميرة]
الدَّرْبَ لَا يُرَادُ إلَّا لِلِاسْتِطْرَاقِ فَكَانَ إثْبَاتُهُ فِيهِ تَمْلِيكًا بِخِلَافِ سَطْحِ الدَّارِ يُرَادُ لِغَيْرِ إجْرَاءِ الْمَاءِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (الْكَوَّاتِ) هُوَ جَمْعُ قِلَّةٍ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، فَلَوْ عَبَّرَ بِجَمْعِ التَّكْسِيرِ كَانَ أَوْلَى كَالْكِوَاءِ بِالْكَسْرِ مَعَ الْمَدِّ، وَعَدَمِهِ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ عَبَّرَ فِي مَسْأَلَةِ الْجُذُوعِ الْآتِيَةِ بِجَمْعِ الْقِلَّةِ كَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَالْقَدِيمُ عَكْسُ ذَلِكَ) حَتَّى لَوْ احْتَاجَ إلَى ثَقْبِ الْجِدَارِ لِيَضَعَ رُءُوسَ الْخَشَبِ، كَانَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، ثُمَّ هَذَا الْقَوْلُ جَدِيدٌ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ عَكْسُ ذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي الْإِجْبَارِ أَيْضًا خِلَافُ مَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْكِتَابِ.
فَرْعٌ وَضْعُ طَرَفِ الرَّفِّ لَيْسَ كَالْجُذُوعِ.
فَرْعٌ لَوْ كَانَ ذِمِّيًّا هَلْ يَجْرِي الْقَدِيمُ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ الْجِدَارُ وَقْفًا أَوْ مَسْجِدًا فَانْظُرْ مَا حُكْمُهُ. قَوْلُهُ: (فِي جِدَارِهِ) تَتِمَّتُهُ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَالِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ، وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ. قَوْلُهُ: (وَعُورِضَ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ خَاصٌّ وَالْخَاصُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute