ففى سورة آل عمران أفاد التعبير نفسه أن الكبَر هو السبب الأظهر عند
زكريا عليه السلام. حيث أسند إليه البلوغ: (وَقًدْ بَلغَنِىَ الكبَرُ) فكأن
الكِبَر كان يطارده حتى أدركه. .
بخلاف مريم فإن البلوغ فيها مسند إلى ضمير زكريا عليه السلام. لذلك قَدم
الكِبَر في آل عمران وأُخر عُقْر امرأته.
أما في مرلم فإن تقديم العُقْر على بلوغه الكبَر. . فلأن العُقْر - على
ما شرحناه - كان السبب الأظهر.
* وسبب آخر:
أن زكريا عليه السلام قد تقدم على قوله هذا في سورة مريم شكواه إلى ربه
من الكبَر: (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا) ، ومع
هذا فقدَ تلقى البشرى من ربه بأنه وُهبَ له غلامٌ. . فكأن الله ألهمه، أو هو
فهم من البشرى أن ما شكاه من الكَبر ليس بسبب مانع من الإنجاب. . إذن
فالعُقْر ما زال باقياً في خاطر إبراهيم فقدمه على الكبَر. ثم عطف بلوغه عنه
عتياً عليه لأنه لم يشك - قبل - العُقْر. فكان عنده السبب الأظهر.
فالتقديم هنا والتأخير هناك. والتأخير هناك والتقديم هنا. إنما هو
بحسب ما هو أظهر. ولم يتحدث الخطيب الإسكافي عن هذا الموضع كذلك.
وكذلك يلاحظ الباحث أن عُقْر امرأة زكريا عليه السلام حين أخر في كلام
آل عمران كانت العبارة الدالة عليه: " وامرأتى عاقر " مبتدأ وخبر مجردان.
ولكن حين قُدِّم في مريم كانت العبارة الدالة عليه: (وكَانَت امْرَاتِى
عَاقراً) بزيادة " كان " إذا قورنت بموضعها في آل عمران، و " كاَن " تفيد
ثبوتَ النسبة في الماضي مع الاستمرار هنا.
* *