ولذلك هذا هو الجهاد الأكبر هو أن تجاهد هواك، وأن تجاهد تطلعات النفس إلى الكبر والزهو والخيلاء والعجب ومضادة الرب في حكمه، فإذا وقع شر بسبب إبليس لكن هذا الشر خير، فمعصية طردت عنك أشنع الآفات وهي معصية العجب والكبر والغرور.
لعل عتبك محمودٌ عواقبُه ... وربما صحت الأجسام بالعلل
يعني ما تبتني فما عدت لذنبي، وصرت كما تريد فهذا العتب (المذموم) وهو عدم الوقوع في الخطأ مرة أخرى، وهنا كذلك فكان في القلب آفة دفينة من عجب وكبر وغرور وخيلاء وفخر – وهذه كلها مهلكة – من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر لا يدخل الجنة – فابتلاه الله بجريمة الزنا مثلاً، فنكس رأسه وانكسر وبقي يقوم في السحر يقول يا رب، يا رحيم يا كريم استرني في الآخرة كما سترتني في الدنيا، تب علي، فإذن معصية وقع فيما لكنها دفعت عنه معاص ٍ ستدخله أسفل سافلين وهو لا يدري، وحقيقة هذه حكمة لولا الوقوع في المعصية بسبب الشيطان لوقع الناس في أشد من المعاصي الظاهرة.
... ولذلك لا يدخل العباد على الرب إلا من باب الذل والانكسار، وكل من تعالى غضب الله عليه يريد وكان أئمتنا يقولون:"من تعالى لله وترفّع لقي عطباً، ومن طأطأ لقي رطباً" فمن تعالى لقي هلاكاً، والذي يريد الرطب يطأطئ رأسه ليتناوله، وهنا كذلك تعاظم يغضب الله عليه (إن عليك لعنتي إلى يوم الدين) بسبب قول إبليس (أنا خير منه) فكلمة قالها أوبقت دنياه وآخرته، أفسدت عاجله وآجله.
وخذ المعصية التي قدرت على نبينا آدم صلى الله عليه وسلم جعلت حاله بعد المعصية خيراً من حاله قبلها بكثير ولا نسبة بين تلك وبين هذه، صار بعد المعصية نبيناً من أنبياء الله كلمه الله قبلاً وأرسله بعد ذلك إلى بنيه وجعله أصل البشر ثم أخبرنا الله أنه اجتباه وتاب عليه وهدى، فمعصية وقعت منه جرته إلى هذه الكلمة التي لا يدخل إنسان على ربه إلا من طريقها (قالوا: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) .