للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الْقَاضِي بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعُوا كَانَ ضَمَانُ نِصْفِ الشَّهْرِ عَلَى شَاهِدَيْ الثَّلَاثِ لَا عَلَى شَاهِدَيْ الْوَاحِدَةِ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ مَا قَالَا إنَّ الْوَاحِدَةَ تُوجَدُ فِي الثَّلَاثِ كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَلَا يَلْزَمُ مَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً تَقَعُ الْوَاحِدَةُ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ تَمْلِيكٌ فَقَدْ مَلَّكَهَا الثَّلَاثَ بِالتَّفْوِيضِ إلَيْهَا فِيهَا وَالْمَالِكُ يُوجَدُ مِنْ مَمْلُوكِهِ مَا شَاءَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا أَلْفًا يَقَعُ الثَّلَاثُ لِمِلْكِهِ الْعَدَدَ، غَيْرَ أَنَّهُ لَغَا مَا فَوْقَ الثَّلَاثِ شَرْعًا.

وَأَمَّا عَنْ الثَّانِي فَيُمْنَعُ التَّرَادُفُ لِأَنَّ مَعْنَى خَلِيَّةٍ لَيْسَ مَعْنَى بَرِيَّةٍ لُغَةً وَالْوُقُوعُ لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى اللُّغَةِ وَلِذَا قُلْنَا إنَّ الْكِنَايَاتِ عَوَامِلُ بِحَقَائِقِهَا فَهُمَا لَفْظَانِ مُتَبَايِنَانِ لِمَعْنَيَيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ، غَيْرَ أَنَّ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ الْمُتَبَايِنَيْنِ يَلْزَمُهُمَا لَازِمٌ وَاحِدٌ هُوَ وُقُوعُ الْبَيْنُونَةِ، وَالْمُتَبَايِنَاتُ قَدْ تَشْتَرِكُ فِي لَازِمٍ وَاحِدٍ فَاخْتِلَافُهُمَا ثَابِتٌ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، فَلَمَّا اخْتَلَفَ الْمَعْنَى مِنْهُمَا كَانَ دَلِيلَ اخْتِلَالِ تَحَمُّلِهِمَا فَإِنَّ هَذَا يَقُولُ: مَا وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ إلَّا بِوَصْفِهَا بِخَلِيَّةٍ وَالْآخَرُ يَقُولُ لَمْ تَقَعْ إلَّا بِوَصْفِهَا بِبَرِيَّةٍ وَإِلَّا فَلَمْ تَقَعْ الْبَيْنُونَةُ.

هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَدَّعِ الْمُدَّعِي عَقْدًا، أَمَّا إنْ ادَّعَى الْمَالَ فِي ضِمْنِ دَعْوَى الْعَقْدِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، فَالْجَوَابُ مَا سَتَعْلَمُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ مَا يُخَالِفُ أَصْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، ذَكَرَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا بَلْ أَشَارَ إلَى أَنَّهَا اتِّفَاقِيَّةٌ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَعَلَهَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً أَبَدًا عَلَى أَنَّ لِزَيْدٍ ثُلُثَ غَلَّتِهَا وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّ لِزَيْدٍ نِصْفَهَا قَالَ أَجْعَلُ لِزَيْدٍ ثُلُثَ غَلَّتِهَا الَّذِي أَجْمَعَا عَلَيْهِ وَالْبَاقِي لِلْمَسَاكِينِ، وَكَذَا إذَا سَمَّى أَحَدُهُمَا مَالًا لِزَيْدٍ مِنْ هَذِهِ الصَّدَقَةِ وَالْآخَرُ أَقَلُّ مِنْهُ أَحْكُمُ لِزَيْدٍ بِمَا أَجْمَعَا عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ يُعْطِي لِزَيْدٍ مِنْ غَلَّةِ هَذَا الْوَقْفِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَا يَسَعُهُ وَيَسَعُ عِيَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَقَالَ الْآخَرُ يُعْطِي أَلْفًا قَالَ أُقَدِّرُ نَفَقَتَهُ وَعِيَالِهِ فِي الْعَامِ، فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الْأَلْفِ حَكَمْت لَهُ بِالْأَلْفِ أَوْ الْأَلْفُ أَكْثَرُ أَعْطَيْته نَفَقَتَهُ وَالْبَاقِي لِلْمَسَاكِينِ، هَذَا بَعْدَ أَنْ أَدْخَلَ الْكِسْوَةَ فِي النَّفَقَةِ ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ: قُلْت فَلِمَ أَجَزْت هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَقَدْ اخْتَلَفَا فِي لَفْظِهِمَا؟ قَالَ: الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الْوَقْفَ إلَى أَنَّ لِزَيْدٍ بَعْضَ هَذِهِ الْغَلَّةِ فَأَجْعَلُ لَهُ الْأَقَلَّ انْتَهَى.

فَإِيرَادُ هَذَا السُّؤَالِ هُوَ الَّذِي ذَكَرْت أَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّهَا اتِّفَاقِيَّةٌ، فَإِنَّ إيرَادَهُ لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَوْلُهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ لَفْظُهُمَا صَرِيحٌ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاطِلَةٌ انْتَهَى. وَحَاصِلُهُ أَنَّا عَلِمْنَا اسْتِحْقَاقَهُ بَعْضَ هَذَا الْمَالِ وَتَرَدَّدْنَا بَيْنَ أَقَلَّ وَأَكْثَرَ فَيَثْبُتُ الْمُتَيَقَّنُ وَلَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ.

[فُرُوعٌ]

ادَّعَى بِالْمَبِيعِ عَيْبًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَبِهِ هَذَا الْعَيْبُ وَشَهِدَ الْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ بِهِ لَا تُقْبَلُ، كَمَا لَوْ ادَّعَى عَيْنًا أَنَّهُ لَهُ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَلَكَهُ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ ذِي الْيَدِ أَنَّهُ مَلَكَهُ لَا تُقْبَلُ، وَمِثْلُهُ دَعْوَى الرَّهْنِ فَشَهِدَ بِهِ بِمُعَايَنَةِ الْقَبْضِ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ الرَّاهِنِ بِقَبْضِهِ لَا تُقْبَلُ. قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ: الرَّهْنُ فِي هَذَا كَالْغَصْبِ، وَكَذَا الْوَدِيعَةُ لَوْ أَعَادَهَا فَشَهِدَا بِإِقْرَارِ الْمُودَعِ قُبِلَتْ، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهَا وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهَا لَا تُقْبَلُ عَلَى قِيَاسِ الْغَصْبِ.

وَعَلَى قِيَاسِ الْقَرْضِ تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ الْوَفَاءَ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَ بِشَرْطِ الْوَفَاءِ وَالْآخَرُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَرَّ بِذَلِكَ تُقْبَلُ لِلْمُوَافَقَةِ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي الْإِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ وَاحِدٌ. وَمِثْلُهُ ادَّعَتْ صَدَاقَهَا فَقَالَ وَهَبَتْنِي إيَّاهُ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْهِبَةِ وَالْآخَرُ عَلَى الْإِبْرَاءِ تُقْبَلُ لِلْمُوَافَقَةِ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ السُّقُوطُ. وَقِيلَ لَا لِلِاخْتِلَافِ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ وَالْهِبَةَ تَمْلِيكٌ. وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ إسْقَاطًا يَتَضَمَّنُ التَّمْلِيكَ وَلِهَذَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ،

<<  <  ج: ص:  >  >>