سَأَلَ عَنْهُمْ لِأَنَّهُ تَقَابَلَ الظَّاهِرَانِ فَيَسْأَلُ طَلَبًا لِلتَّرْجِيحِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا بُدَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُمْ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ) لِأَنَّ الْقَضَاءَ مَبْنَاهُ عَلَى الْحُجَّةِ وَهِيَ شَهَادَةُ الْعُدُولِ فَيَتَعَرَّفُ عَنْ الْعَدَالَةِ، وَفِيهِ صَوْنُ قَضَائِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ.
وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ
ظَاهِرِ عَدَالَةِ الْمُسْلِمِ لِأَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ ظَاهِرُ حَالِهِ مِنْ الْتِزَامِ الْإِسْلَامِ الْتِزَامُ الِاجْتِنَابِ عَنْ مَحْظُورَاتِهِ فَيُقْبَلُ كُلُّ مُسْلِمٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَدْلٌ.
وَقَالَ ﷺ «الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ» رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ ﵁. قَالَ فِي كِتَابِهِ الَّذِي كَتَبَهُ لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَقَدَّمْنَا بَعْضَهُ وَفِيهِ " الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَجْلُودًا فِي قَذْفٍ، أَوْ مُجَرَّبًا فِي شَهَادَةِ زُورٍ، أَوْ ظَنِينًا فِي وَلَاءٍ أَوْ قَرَابَةٍ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَمِنْ طَرِيقٍ آخَرَ حَسَنَةٌ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ غَيْرِ الطَّرِيقَيْنِ جَيِّدَةٍ، وَإِذَا كَانَ الثَّابِتُ ظَاهِرًا هِيَ الْعَدَالَةُ اكْتَفَى بِهَا، إذْ الْقَطْعُ لَا يَحْصُلُ وَلَوْ مَعَ الِاسْتِقْصَاءِ. نَعَمْ تَزْدَادُ قُوَّةُ الظَّنِّ وَلَا مُوجِبَ لِطَلَبِ الزِّيَادَةِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَمْ يُوجَدْ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ السَّلَفُ يَسْأَلُونَ قَبْلُ.
وَأَوَّلُ مَنْ سَأَلَ ابْنُ شُبْرُمَةَ، بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لِأَنَّهُ وَجَدَ فِيهَا دَلِيلَ طَلَبِ الزِّيَادَةِ فَيَسْأَلُ عَلَى مَا عُرِفَ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ، إذْ رُبَّمَا يَعْجِزُ عَنْ التَّزْكِيَةِ فَيَنْدَرِئُ الْحَدُّ وَهُوَ مَطْلُوبٌ. وَأَوْرَدَ أَنَّ الظَّاهِرَ إنَّمَا يَكْفِي لِلدَّفْعِ وَالشَّهَادَةُ تُوجِبُ الِاسْتِحْقَاقَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الشَّهَادَةِ كَالْقَطْعِ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ الْوُصُولُ إلَى الْقَطْعِ وَلَا بِالتَّزْكِيَةِ. وَالْحَقُّ أَنَّ الظَّاهِرَ يُوجِبُ الِاسْتِحْقَاقَ، وَالْمُرَادُ بِالظَّاهِرِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ هُوَ الِاسْتِصْحَابُ.
وَأَمَّا إذَا طَعَنَ الْخَصْمُ فَقَدْ تَقَابَلَ ظَاهِرَانِ فَيَسْأَلُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا بُدَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُمْ طَعَنَ الْخَصْمُ أَوْ لَمْ يَطْعَنْ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ. وَقَالَ مَالِكٌ مَنْ كَانَ مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ لَا يُسْأَلُ عَنْهُ، وَمَنْ عُرِفَ جُرْحُهُ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنَّمَا يَسْأَلُ إذَا شَكَّ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا بُدَّ مِنْ السُّؤَالِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَنْبَنِي عَلَى الْحُجَّةِ وَهِيَ شَهَادَةُ الْعُدُولِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ الْعَدَالَةُ وَذَلِكَ بِذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى قُوَّةُ دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى ذَلِكَ. وَكَوْنُهُ لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ الْعَدَالَةُ لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلَكِنْ يَقُولُ: طَرِيقُ الثُّبُوتِ هُوَ الْبِنَاءُ عَلَى ظَاهِرِ عَدَالَةِ الْمُسْلِمِ خُصُوصًا مَعَ مَا رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ ﷺ وَالصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ وَمَعَ ذَلِكَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا لِاخْتِلَافِ حَالِ الزَّمَانِ، وَلِذَلِكَ قَالُوا: هَذَا الْخِلَافُ خِلَافُ زَمَانٍ لَا حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي زَمَانِ أَبِي حَنِيفَةَ الصَّلَاحُ بِخِلَافِ زَمَانِهِمَا.
وَمَا قِيلَ بِأَنَّهُ أَفْتَى فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمَشْهُودُ لَهُمْ بِالصَّلَاحِ مِنْهُ ﷺ حَيْثُ قَالَ «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» وَهُمَا