أَنَّ السُّجُودَ يَتَحَقَّقُ بِوَضْعِ بَعْضِ الْوَجْهِ، وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ إلَّا أَنَّ الْخَدَّ وَالذَّقَنَ خَارِجٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْمَذْكُورُ فِيمَا رُوِيَ الْوَجْهُ فِي الْمَشْهُورِ، وَوَضْعُ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا لِتَحَقُّقِ السُّجُودِ بِدُونِهِمَا،
الْأَنْفِ لَا مَا لَانَ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ) أَيْ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى السُّجُودُ وَهُوَ وَضْعُ بَعْضِ الْوَجْهِ مِمَّا لَا سُخْرِيَةَ فِيهِ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ بِالْأَنْفِ، فَتَوْقِيفُ أَجْزَائِهِ عَلَى وَضْعٍ آخَرَ مَعَهُ زِيَادَةٌ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَعَ اشْتِهَارِ الْوَجْهِ فِيمَا رُوِيَ فِي سُنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ «إذَا سَجَدَ الْعَبْدُ سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ آرَابٍ وَجْهُهُ وَكَفَّاهُ وَرُكْبَتَاهُ وَقَدَمَاهُ»، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ بِلَفْظِ «أُمِرَ الْعَبْدُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ» وَقَوْلُ الْبَزَّارِ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ سَعْدٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُمْ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ آرَابٍ إلَّا الْعَبَّاسُ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسِ وَسَعْدًا قَالَاهُ كَالْعَبَّاسِ فِي أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْفَعُهُ «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ» وَرُبَّمَا قَالَ «أُمِرَ نَبِيُّكُمْ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ» وَرَوَى أَبُو يَعْلَى وَالطَّحَاوِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْهُ ﷺ قَالَ «أُمِرَ الْعَبْدُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ» وَزَادَ «أَيُّهَا لَمْ يَضَعْهُ فَقَدْ انْتَقَصَ» وَفِيهِ زِيَادَةُ الدَّلَالَةِ عَلَى الصِّحَّةِ بِتَقْدِيرِ تَرْكِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ شَاهِدٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ.
وَالْآرَابُ: الْأَعْضَاءُ وَاحِدُهَا إرْبٌ.
وَالْحَقُّ أَنَّ ثُبُوتَ رِوَايَةِ الْوَجْهِ أَوْ الْآرَابِ لَا تَقْدَحُ فِي صِحَّةِ رِوَايَةِ الْجَبْهَةِ لِأَنَّهَا أَوَّلًا لَا تُعَارِضُ الْوَجْهَ بَلْ حَاصِلُهَا بَيَانُ مَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْوَجْهِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ مَجْمُوعَهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِعَدَمِ إرَادَةِ الْخَدِّ وَالذَّقَنِ فَكَانَتْ مُبَيِّنَةً لِلْمُرَادِ، وَقَدْ رَوَى أَبُو حَنِيفَةَ نَفْسُهُ هَذَا الْحَدِيثَ بِطُرُقٍ وَأَلْفَاظٍ، مِنْهَا بِسَنَدِهِ إلَى أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «الْإِنْسَانُ يَسْجُدُ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: جَبْهَتِهِ وَيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَصُدُورِ قَدَمَيْهِ».
فَالْحَقُّ أَنَّ مُقْتَضَاهُ وَمُقْتَضَى الْمُوَاظَبَةِ الْمَذْكُورَةِ الْوُجُوبُ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَقُولَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَتُحْمَلُ الْكَرَاهَةُ الْمَرْوِيَّةُ عَنْهُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ، وَعَلَى هَذَا فَجَعَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْفَتْوَى عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْمُوَافِقَةِ لِقَوْلِهِمَا لَمْ يُوَافِقْهُ دِرَايَةً وَلَا الْقَوِيُّ مِنْ الرِّوَايَةِ، هَذَا.
وَلَوْ حُمِلَ قَوْلُهُمَا لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ عَلَى وُجُوبِ الْجَمْعِ كَانَ أَحْسَنَ إذْ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ بِنَاءً عَلَى حَمْلِنَا الْكَرَاهَةَ عَنْهُ عَلَيْهِ مِنْ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ، وَلَمْ يُخَرِّجَا عَنْ الْأُصُولِ إذْ يَلْزَمُهُمَا الزِّيَادَةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُمَا يُمْنَعَانِ.
[فُرُوعٌ]
يَجُوزُ السُّجُودُ عَلَى الْحَشِيشِ وَالتِّبْنِ وَالْقُطْنِ وَالطُّنْفُسَةِ إنْ وَجَدَ حَجْمَ الْأَرْضِ وَكَذَا الثَّلْجُ الْمُلَبَّدُ، فَإِنْ كَانَ بِحَالٍ يَغِيبُ فِيهِ وَجْهُهُ وَلَا يَجِدُ الْحَجْمَ لَا، وَعَلَى الْعَجَلَةِ عَلَى الْأَرْضِ تَجُوزُ كَالسَّرِيرِ لَا إنْ كَانَتْ عَلَى الْبَقَرِ كَالْبِسَاطِ الْمَشْدُودِ بَيْنَ الْأَشْجَارِ، وَعَلَى الْعِرْزَالِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ يَجُوزُ لَا عَلَى الدُّخْنِ وَالْأَرُزِّ لِعَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ وَعَلَى ظَهْرِ مُصَلٍّ صَلَاتُهُ لِلضَّرُورَةِ لَا مَنْ هُوَ فِي غَيْرِهَا أَوْ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ، فَلَوْ ارْتَفَعَ مَوْضِعُ السُّجُودِ عَنْ مَوْضِعِ الْقَدَمَيْنِ قَدْرَ لَبِنَةٍ أَوْ لَبِنَتَيْنِ مَنْصُوبَتَيْنِ جَازَ لَا إنْ زَادَ (قَوْلُهُ سُنَّةٌ عِنْدَنَا) بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ لَفْظَ أُمِرْت
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute