الْإِجَازَةِ لِأَنَّهُ لَا إلْزَامَ فِيهِ، وَلَا نَقُولُ إنَّهُ مُسَلَّطٌ، وَكَيْفَ يُقَالُ ذَلِكَ وَصَاحِبُهُ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ وَلَا تَسْلِيطَ فِي غَيْرِ.
وَكِيلًا بِالْبَيْعِ. وَهَذَا أَضَرُّ عَلَى النَّفْسِ مِنْ اقْتِرَاضِ الْمَالِ لِدَفْعِ الدَّيْنِ لِمَا يَلْزَمُهُ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ تَحْقِيرِ شَأْنِهِ وَوَضْعِ قَدْرِهِ، فَالْوَجْهُ لِأَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ أَقْوَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ حِينَئِذٍ (وَلَا نَقُولُ إنَّهُ مُسَلَّطٌ) مِنْ جِهَتِهِ (وَكَيْفَ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ فَلَا يَمْلِكُ تَسْلِيطَهُ) مُشَاحَّةٌ لَفْظِيَّةٌ، فَإِنَّ الْمُرَادَ مَنْ سَلَّطَهُ أَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي حَقِّهِ ذَلِكَ بِالرَّفْعِ فِي الْمُدَّةِ، فَإِذَا مَنَعَ تَضَمُّنَ شَرْطِ الْخِيَارِ الْإِذْنُ بِلَا عِلْمِهِ لِلضَّرَرِ، فَكَانَ الْإِذْنُ مُقَيَّدًا بِعَدَمِ مَحَلِّ الضَّرَرِ وَهُوَ حَالُ الْعِلْمِ. فَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ انْتِفَائِهِ فِي صُورَةِ التَّعَارُضِ وَعَدَمِ تَأْثِيرِهِ فِي أُخْرَى لِتَقْصِيرِهِ مَنْ يَلْزَمُهُ، وَبِهَذَا أَجَابُوا عَنْ الْمُعَارَضَةِ الْقَائِلَةِ لَوْ لَمْ يَنْفَرِدْ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بِالْفَتْحِ يَتَضَرَّرُ هُوَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَخْتَفِيَ صَاحِبُهُ فِي الْمُدَّةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ، فَقَالُوا: هَذَا الضَّرَرُ إنَّمَا لَزِمَهُ مِنْ جَانِبِهِ بِتَقْصِيرِهِ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّ الضَّرَرَ بِالِاخْتِفَاءِ عَلَى صَاحِبِ الْخِيَارِ لِعَجْزِهِ عَنْ إحْضَارِهِ لَا بِالِاخْتِفَاءِ فَفِي سِعَةِ فَضْلِ اللَّهِ التَّجَاوُزُ عَنْهُ. وَقِيلَ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَخْتَفِي؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ حَيْثُ أَثْبَتَ الْخِيَارَ لِصَاحِبِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِلْزَامَ بِهَذَا الْفَرْعِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: جَاءَ إلَى بَابِ الْبَائِعِ لِيَرُدَّهُ فَاخْتَفَى فِيهِ فَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي خَصْمًا لِيَرُدَّهُ عَلَيْهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: يُنَصَّبُ نَظَرًا لِلْمُشْتَرِي، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ: لَا يُجِيبُهُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ تَرَكَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ حَيْثُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ وَكِيلًا مَعَ احْتِمَالِ غِيبَتِهِ فَلَا يُنْظَرُ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يُنَصِّبْ الْقَاضِي وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْقَاضِي الْإِعْذَارَ عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ: وَفِي رِوَايَةٍ يُجِيبُهُ فَيَبْعَثُ مُنَادِيًا يُنَادِي عَلَى بَابِ الْبَائِعِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ: إنَّ خَصْمَك فُلَانًا يُرِيدُ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ عَلَيْك، فَإِنْ حَضَرْت وَإِلَّا نَقَضْت الْبَيْعَ وَلَا يَنْقُضُ الْقَاضِي بِلَا إعْذَارٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: لَا يُجِيبُهُ إلَى الْإِعْذَارِ أَيْضًا، وَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ يَعْنِي عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَيْفَ يَصْنَعُ الْمُشْتَرِي؟ قَالَ: يَنْبَغِي لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَوْثِقَ فَيَأْخُذَ مِنْهُ وَكِيلًا ثِقَةً إذَا خَافَ الْغَيْبَةَ حَتَّى إذَا غَابَ يَرُدُّهُ عَلَى الْوَكِيلِ: وَطَرِيقُ نَقْضِ الْقَاضِي عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ إذَا قَالَ الْخَصْمُ: إنِّي أَعْذَرْت إلَيْهِ وَأَشْهَدْت فَتَوَارَى فَيَقُولُ الْقَاضِي اشْهَدُوا أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ أَعْذَرَ إلَى صَاحِبِهِ فِي الْمُدَّةِ كُلَّ يَوْمٍ وَاخْتَفَى، فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَ فَقَدْ أَبْطَلْت عَلَيْهِ الْخِيَارَ، فَإِنْ ظَهَرَ وَأَنْكَرَ فَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ بِالْخِيَارِ وَالْإِعْذَارِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ ظُهُورِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ عَلَى غَائِبٍ وَلَا تُسْمَعُ حَالَ غَيْبَتِهِ لِلْحُكْمِ بِهَا عَلَيْهِ. وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَالْمَسَائِلُ الْمُورَدَةُ نَقْضًا مُسَلَّمَةٌ؛ لِأَنَّهَا عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute