للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهَا إذَا اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثُمَّ أَسْلَمَ بَطَلَ الْخِيَارُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا فَلَا يَمْلِكُ رَدَّهَا وَهُوَ مُسْلِمٌ. وَعِنْدَهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا فَلَا يَتَمَلَّكُهَا بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ بَعْدَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ.

قَالَ (وَمَنْ شُرِطَ لَهُ الْخِيَارُ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ فِي الْمُدَّةِ وَلَهُ أَنْ يُجِيزَ، فَإِنْ أَجَازَهُ بِغَيْرِ حَضْرَةِ صَاحِبِهَا جَازَ

مُمَلَّكًا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعَاتِ، فَإِذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ انْبَرَمَ الْبَيْعُ بِلَا شَيْءٍ.

وَاسْتَشْكَلَ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِسَبَبِ أَنَّ الثَّمَنَ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَعْتَمِدُ شَغْلَ الذِّمَّةِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهِ زَوَالُ مِلْكِ الْمَشْغُولِ ذِمَّتُهُ عَنْ مِقْدَارِهِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْمَدْيُونَ مَشْغُولُ الذِّمَّةِ وَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ وَإِنَّمَا اشْتَغَلَتْ ذِمَّتُهُ لِصِحَّةِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ لَيْسَ دَاخِلًا عَلَى السَّبَبِ بَلْ عَلَى حُكْمِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَبِوُجُودِ الْبَيْعِ لَا بُدَّ أَنْ تُشْغَلَ الذِّمَّةُ بِالثَّمَنِ، وَلَا يُظَنُّ أَنَّهُ يُقَارِنُ وُجُوبَ أَدَائِهِ بَلْ الثَّابِتُ أَصْلُ الْوُجُوبِ وَلَيْسَ فِي أَصْلِ الْوُجُوبِ طَلَبٌ أَصْلًا عَلَى مَا عُرِفَ (وَمِنْهَا إذَا اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ ثُمَّ أَسْلَمَ) الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ (بَطَلَ خِيَارُهُ) عِنْدَهُمَا (لِأَنَّهُ مَلَكَهَا فَلَا يَمْلِكُ رَدَّهَا وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَعِنْدَهُ بَطَلَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا وَلَا يُمْكِنُهُ تَمَلُّكُهَا بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ) بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَتَعَيَّنَ بُطْلَانُ الْبَيْعِ أَمَّا لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَأَسْلَمَ فَبُطْلَانُ الْبَيْعِ بِالْإِجْمَاعِ، هَذَا آخِرُ مَا فَرَّعَهُ الْمُصَنِّفُ، وَمِنْ الْفُرُوعِ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ فِي دُخُولِ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ مَا لَوْ اشْتَرَى مُسْلِمٌ مِنْ مُسْلِمٍ عَصِيرًا بِالْخِيَارِ فَتَخَمَّرَ فِي الْمُدَّةِ فَسَدَ الْبَيْعُ عِنْدَهُ لِعَجْزِهِ عَنْ تَمَلُّكِهِ بِإِسْقَاطِ خِيَارِهِ وَتَمَّ عِنْدَهُمَا لِعَجْزِهِ عَنْ رَدِّهِ بِفَسْخِهِ.

وَمِنْهَا مَا إذَا اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَهُوَ سَاكِنُهَا بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ فَاسْتَدَامَ سَاكِنُهَا قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ: لَا يَكُونُ اخْتِيَارًا وَإِنَّمَا الِاخْتِيَارُ ابْتِدَاءُ السُّكْنَى. وَقَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ: اسْتِدَامَةُ السُّكْنَى اخْتِيَارٌ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْعَيْنَ وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِاخْتِيَارٍ؛ لِأَنَّهُ بِإِجَارَةٍ أَوْ الْإِعَارَةِ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا وَمِنْهَا حَلَالٌ اشْتَرَى ظَبْيًا بِالْخِيَارِ فَقَبَضَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ وَالظَّبْيُ فِي يَدِهِ يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ عِنْدَهُ وَيُرَدُّ إلَى الْبَائِعِ. وَقَالَا: يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ يُنْتَقَضُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَأَحْرَمَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ. وَمِنْهَا أَنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَفُسِخَ الْعَقْدُ فَالزَّوَائِدُ تُرَدُّ عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَحْدُثْ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي.

وَعِنْدَهُمَا لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ عَلَى مِلْكِهِ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ شُرِطَ لَهُ الْخِيَارُ) سَوَاءٌ كَانَ بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا أَوْ أَجْنَبِيًّا (لَهُ أَنْ يُجِيزَ) فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ (وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ، فَإِنْ أَجَازَ بِغَيْرِ حَضْرَةِ صَاحِبِهِ) يُرِيدُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ (جَازَ) فَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَنَفَاذُ الْبَيْعِ بِأَحَدِ مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ: بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ وَبِمَوْتِهِ وَبِإِغْمَائِهِ وَجُنُونِهِ فِي الْمُدَّةِ، فَإِنْ أَفَاقَ فِيهَا قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى خِيَارٍ، وَلَوْ سَكِرَ مِنْ الْخَمْرِ لَمْ يُبْطِلْ سُكْرُهُ مِنْ الْبَنْجِ، وَلَوْ ارْتَدَّ فَعَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>