للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: ١٩١] وَقَالَتْ عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» ، وَإِنِ انْضَمَّ إِلَى هَذَا الْقِيَامِ رَقْصٌ أَوْ نَحْوُهُ فَلَا إِنْكَارَ عَلَيْهِمْ، فَذَلِكَ مِنْ لَذَّاتِ الشُّهُودِ أَوِ الْمَوَاجِيدِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «رَقْصُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَالَ لَهُ: أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي» ، وَذَلِكَ مِنْ لَذَّةٍ هَذَا الْخِطَابِ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ هَذَا أَصْلًا فِي رَقْصِ الصُّوفِيَّةِ لِمَا يُدْرِكُونَهُ مِنْ لَذَّاتِ الْمَوَاجِيدِ، وَقَدْ صَحَّ الْقِيَامُ وَالرَّقْصُ فِي مَجَالِسِ الذِّكْرِ وَالسَّمَاعِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ كِبَارِ الْأَئِمَّةِ، مِنْهُمْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عز الدين بن عبد السلام.

مَسْأَلَةٌ: فِي قَوْلِ الشَّيْخِ أبي العباس المرسي فِي حِزْبِهِ: إِلَهِي مَعْصِيَتُكَ نَادَتْنِي بِالطَّاعَةِ، وَطَاعَتُكَ نَادَتْنِي بِالْمَعْصِيَةِ، فَفِي أَيِّهِمَا أَخَافُكَ وَفِي أَيِّهِمَا أَرْجُوكَ؟ إِنْ قُلْتُ بِالْمَعْصِيَةِ، قَابَلْتَنِي بِفَضْلِكَ فَلَمْ تَدَعْ لِي خَوْفًا، وَإِنْ قُلْتُ بِالطَّاعَةِ، قَابَلْتَنِي بِعَدْلِكَ فَلَمْ تَدَعْ لِي رَجَاءً، فَلَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ أَرَى إِحْسَانِي مَعَ إِحْسَانِكَ؟ ! أَمْ كَيْفَ أَجْهَلُ فَضْلَكَ مَعَ عِصْيَانِكَ؟ ! ق ج سِرَّانِ مِنْ سِرِّكَ وَكِلَاهُمَا دَالَّانِ عَلَى غَيْرِكَ، فَبِالسِّرِّ الْجَامِعِ الدَّالِّ عَلَيْكَ لَا تَدَعْنِي لِغَيْرِكَ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

الْجَوَابُ: حَسْبَمَا ظَهَرَ قَوْلُهُ: إِلَهِي مَعْصِيَتُكَ نَادَتْنِي بِالطَّاعَةِ: يَعْنِي لِمَا يَتَسَبَّبُ عَنْهَا مِنَ النَّدَمِ وَالْخَوْفِ وَالِانْكِسَارِ وَالذُّلِّ وَرَجَاءِ التَّوْبَةِ وَالِاعْتِرَافِ بِالتَّقْصِيرِ وَنُزُولِ الْمَرْتَبَةِ، وَطَاعَتُكَ نَادَتْنِي بِالْمَعْصِيَةِ لِمَا قَدْ يَنْشَأُ عَنْهَا مِنْ أَضْدَادِ ذَلِكَ وَمِنْ مُخَالَطَةِ الْعُجْبَ وَالرِّيَاءِ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ بْنُ حَيَّانَ فِي كِتَابِ الثَّوَابِ عَنْ كليب الجهني عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: ( «لَوْلَا أَنَّ الذَّنْبَ خَيْرٌ لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ مِنَ الْعُجْبِ مَا خَلَّيْتُ بَيْنَ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ وَبَيْنَ الذَّنْبِ» ) وَمَا أَخْرَجَهُ الديلمي فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: ( «لَوْلَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ مَنْ يَعْجَبُ بِعَمَلِهِ لَعُصِمَ مِنَ الذَّنْبِ حَتَّى لَا يَهُمَّ بِهِ، وَلَكِنَّ الذَّنْبَ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْعُجْبِ» ) وَمَا أَخْرَجَهُ أبو نعيم وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وأبي سعيد مَرْفُوعًا: ( «لَوْ لَمْ تَكُونُوا تُذْنِبُونَ لَخِفْتُ عَلَيْكُمْ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ، الْعُجْبَ الْعُجْبَ» ) وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْأَوْلِيَاءِ وأبو نعيم فِي الْحِلْيَةِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ جِبْرِيلَ يَقُولُ اللَّهُ: ( «وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ لَمَنْ يَسْأَلُنِي الْبَابَ مِنَ الْعِبَادَةِ فَأَكُفُّهُ أَنْ لَا يَدْخُلَهُ عُجْبٌ فَيُفْسِدُهُ ذَلِكَ» ) - ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ -

<<  <  ج: ص:  >  >>