لَطِيفًا لِأَجْلِ الضَّوْءِ خَشِيَ الْإِنْكَارَ [عَلَيْهِ] فَقَالَ لِي: إِنَّهُ اسْتَنَدَ إِلَى كَلَامٍ لابن الرفعة فِي الْمَطْلَبِ شَرْحِ الْوَسِيطِ. وَرَأَيْتُ أَنَا ذَلِكَ الْكَلَامَ عِنْدَ قَوْلِ الْغَزَالِيِّ فِي تَعْلِيلِ الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْجَارِيَةِ الْمَوْقُوفَةِ ; لِأَنَّهُ يَنْقُصُ الْوَقْفُ وَيُخَالِفُ غَرَضَ الْوَاقِفِ، فَقَالَ ابن الرفعة: قَوْلُهُ: وَيُخَالِفُ غَرَضَ الْوَاقِفِ يُفْهَمُ أَنَّ أَغْرَاضَ الْوَاقِفِينَ، وَإِنْ لَمْ يُصَرَّحْ بِهَا يُنْظَرُ إِلَيْهَا ; وَلِهَذَا كَانَ شَيْخُنَا عماد الدين يَقُولُ: إِذَا اقْتَضَتِ الْمَصْلَحَةُ تَغْيِيرَ بِنَاءِ الْوَقْفِ فِي صُورَتِهِ لِزِيَادَةِ رِيعِهِ جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الْوَاقِفُ بِلَفْظِهِ ; لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ شَاهِدَةٌ بِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ ذَكَرَهُ الْوَاقِفُ حَالَةَ الْوَقْفِ لَأَثْبَتَهُ فِي كِتَابِ وَقْفِهِ. قَالَ ابن الرفعة: وَقُلْتُ: ذَلِكَ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي وَقْتِهِ. وَقَاضِي الْقُضَاةِ تقي الدين بن دقيق العيد، وَأَنَّ قاضي القضاة تاج الدين وَوَلَدَهُ قاضي القضاة صدر الدين عَمِلَا بِذَلِكَ فِي بَعْضِ الْوَقْفِ مِنْ تَغْيِيرِ بَابٍ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ، فَقَالَ لِي فِي جَوَابِ ذَلِكَ: كَانَ وَالِدِي يَعْنِي الشَّيْخَ مجد الدين يَقُولُ: كَانَ شَيْخِي المقدسي يَقُولُ بِذَلِكَ وَأَكْثَرَ مِنْهُ قَالَ الشيخ تقي الدين: وَنَاهِيكَ بالمقدسي أَوْ كَمَا قَالَ: فَأَشْعَرَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِرِضَاهُ فَاغْتَبَطَ ابن الرفعة بِمَا اسْتَشْعَرَهُ مِنْ رَضَى الشَّيْخِ تقي الدين وَكَانَ قُدْوَةَ زَمَانِهِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَكَانَ بِحَيْثُ يُكْتَفَى مِنْهُ بِأَدْنَى مِنْ ذَلِكَ، والمقدسي شَيْخُ وَالِدِهِ مَالِكِيٌّ فَقِيهٌ مُحَدِّثٌ قُدْوَةٌ أَيْضًا، وَقَدْ قُلْتُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: أَنَّ الَّذِي أَرَاهُ فِي ذَلِكَ الْجَوَازِ بِشَرْطَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا لَا يُغَيِّرُ مُسَمَّى الْوَقْفِ.
الثَّانِي: أَنْ لَا يُزِيلَ شَيْئًا مِنْ عَيْنِهِ بِأَنْ يَنْقُلَ بَعْضَهُ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ، فَإِنِ اقْتَضَى زَوَالَ شَيْءٍ مِنَ الْعَيْنِ لَمْ يَجُزْ، فَإِذَا وُجِدَ هَذَانِ الشَّرْطَانِ فَلَا بَأْسَ إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْوَقْفِ، فَهَذَا شَرْطٌ ثَالِثٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ مَقْصُودِي فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَإِنْ لَمْ أُصَرِّحْ بِهِ، وَفَتْحُ شُبَّاكِ الطَّيْبَرْسِيَّةِ لَا مَصْلَحَةَ لِجَامِعِ الْأَزْهَرِ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ فَتْحُ أَبْوَابٍ لِلْحَرَمِ لَا حَاجَةَ لِلْحَرَمِ بِهَا وَإِنَّمَا هِيَ لِمَصْلَحَةِ سَاكِنِيهَا، فَهَذَا لَا يَجُوزُ عَلَى مُقْتَضَى قَوَاعِدِ مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَلَا عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ.
وَفِي فَتَاوَى ابن الصلاح رِبَاطٌ مَوْقُوفٌ عَلَى الصُّوفِيَّةِ اقْتَضَتِ الْمَصْلَحَةُ لِأَهْلِهِ أَنْ يُفْتَحَ فِيهِ بَابٌ جَدِيدٌ مُضَافًا إِلَى بَابِهِ الْقَدِيمِ، فَهَلْ يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ تَعَرُّضٌ لِذَلِكَ بِمَنْعٍ وَلَا إِطْلَاقٍ؟ أَجَابَ: إِنِ اسْتَلْزَمَ ذَلِكَ تَغْيِيرَ شَيْءٍ مِنَ الْمَوْقُوفِ عَنْ هَيْئَةٍ كَانَ عَلَيْهَا عِنْدَ الْوَقْفِ إِلَى هَيْئَةٍ أُخْرَى غَيْرِ مُجَانِسَةٍ لَهَا مِثْلَ أَنْ يُفْتَحَ الْبَابُ إِلَى أَرْضٍ وُقِفَتْ بُسْتَانًا مَثَلًا فَيَسْتَلْزِمُ تَغْيِيرَ مَحَلِّ الِاسْتِطْرَاقِ مِنْهُ، وَجَعْلَ ذَلِكَ الْقَدْرِ طَرِيقًا بَعْدَ أَنْ كَانَ أَرْضَ غَرْسٍ وَزِرَاعَةٍ فَهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute