للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذِهِ الصُّورَةِ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِهَا خِلَافَ مَوْضُوعِ الزَّوْجِيَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعُرْفَ قَاضٍ بِأَنَّ لِلسَّاكِنِ بِزَوْجَتِهِ فِي بَيْتِ نَفْسِهِ مِنَ الرَّاحَةِ وَالْعِزِّ وَالسُّلْطَةِ وَقُوَّةِ النَّفْسِ مَا لَيْسَ لِلسَّاكِنِ فِي بَيْتِ زَوْجَتِهِ أَوْ عِنْدَ أَهْلِهَا، وَالْإِنْسَانُ لَا يَكُونُ أَمِيرًا فِي بَيْتِ غَيْرِهِ وَالزَّوْجُ يَحْتَاجُ إِلَى الْمُبَاسَطَةِ مَعَ زَوْجَتِهِ، وَرَفْعِ الْحِشْمَةِ مَعَهَا فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى لَهُ وَهِيَ فِي مَنْزِلِ أَهْلِهَا، خُصُوصًا إِذَا كَانَتِ الدَّارُ وَاحِدَةً تَجْمَعُ الْجَمِيعَ، وَهِيَ فِي حُجْرَةٍ مِنْ حُجَرِهَا وَإِنِ اسْتَقَلَّتْ بِمَرَافِقِهَا، هَذَا أَمْرٌ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ.

وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ مُخَرَّجٌ فِي بَعْضِ الْأَجْزَاءِ الْحَدِيثِيَّةِ أَنَّ إِبْلِيسَ قَالَ: إِنَّمَا أَحْزَنُ عَلَى السَّاكِنِ فِي بَيْتِ زَوْجَتِهِ، وَلَا يَحْضُرُنِي الْآنَ سَنَدُهُ، وَسَأَتْبَعُهُ وَأَلْحَقُهُ، ثُمَّ تَذَكَّرْتُ عَنْ شَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ شرف الدين المناوي أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيمَا إِذَا امْتَنَعَتِ الزَّوْجَةُ مِنَ النُّقْلَةِ، وَسَكَنَ الزَّوْجُ فِي بَيْتِهَا: يَنْبَغِي أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهَا النُّقْلَةَ فِي كُلِّ يَوْمٍ؛ لِيَتَحَقَّقَ امْتِنَاعُهَا، فَإِذَا امْتَنَعَتْ سَقَطَتْ نَفَقَةُ ذَلِكَ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّ نُشُوزَ لَحْظَةٍ فِي الْيَوْمِ يُسْقِطُ نَفَقَةَ كُلِّ الْيَوْمِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَيْخُنَا تَحْقِيقًا مِنْ عِنْدِهِ، قَصَدَ بِهِ أَنْ يَتَحَقَّقَ امْتِنَاعُهَا مِنَ النُّقْلَةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ رَجَعَتْ عَنِ الِامْتِنَاعِ، وَيَكُونَ سَكَنُ الزَّوْجِ فِي مَنْزِلِهَا بِاخْتِيَارِ نَفْسِهِ، وَهِيَ بِحَيْثُ لَوْ طَلَبْتَ مِنْهَا لَأَجَابَتْ، فَإِنَّهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ بِلَا شَكٍّ، وَالَّذِي أَقُولُهُ: أَنَّ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالِاسْتِظْهَارِ، لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ لِأَجْلِ هَذَا الِاحْتِمَالِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا عَلَى الِامْتِنَاعِ إِلَى أَنْ يَتَيَقَّنَ مِنْهَا الطَّاعَةَ صَرِيحًا.

تَذْنِيبٌ: ذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْأَمَةَ الْمَوْقُوفَةَ يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَقْفِ نَاظِرٌ خَاصٌّ، فَإِنْ كَانَ لَهُ نَاظِرٌ خَاصٌّ فَهُوَ الَّذِي يُزَوِّجُ، قَالَ ابن العماد فِي " تَوْقِيفِ الْحُكَّامِ عَلَى غَوَامِضِ الْأَحْكَامِ ": وَقَدِ اغْتَرَّ صَاحِبُ الْمُهِمَّاتِ بِمَقَالَةِ الْمَاوَرْدِيِّ، فَجَعَلَهَا تَقْيِيدًا لِإِطْلَاقِهِمْ، وَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمَاوَرْدِيَّ بَنَى جَوَابَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ تَابِعَةٌ لِوِلَايَةِ الْمَالِ - وَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ - وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِهِ، والرافعي نَقَلَ هُنَا عَنِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ الْحَاكِمَ يُزَوِّجُ انْتَهَى، وَهَذَا نَظِيرُ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ أَنَّ الْمَاوَرْدِيَّ بَنَى جَوَابَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى اخْتِيَارِهِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو اسْتِمْتَاعٌ بِزَوْجَةٍ مِنِ اسْتِحْقَاقِ نَفَقَةٍ حَتَّى إِنَّهُ أَوْجَبَ لِلْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ لَيْلًا لَا نَهَارًا شَطْرَ النَّفَقَةِ - وَهُوَ خِلَافُ الْمُصَحَّحِ فِي الْمَذْهَبِ - وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ، فَلَا يَغْتَرَّنَّ أَحَدٌ بِذَلِكَ، وَيَجْعَلْهُ تَقْيِيدًا لِإِطْلَاقِ الْأَصْحَابِ فَتَأْنَسْ بِذَلِكَ.

تَأْكِيدٌ: وَقَدِ اخْتَارَ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا وُجُوبَ النَّفَقَةِ فِي مَسَائِلَ، عَلَى خِلَافِ مَا رَجَّحَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>