للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقَالَ تَعَالَى: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء: ١٥٨] وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ فِرْعَوْنَ: {يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ - أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر: ٣٦ - ٣٧] كَذَّبَ " فِرْعَوْنُ " مُوسَى فِي قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} [الملك: ١٦] فَالسَّمَاوَاتُ فَوْقَهَا الْعَرْشُ فَلَمَّا كَانَ الْعَرْشِ فَوْقَ " السَّمَاوَاتِ قَالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: ١٦] ; لِأَنَّهُ مُسْتَوٍ عَلَى الْعَرْشِ الَّذِي فَوْقَ " السَّمَاوَاتِ وَكَانَ كُلُّ مَا عَلَا فَهُوَ سَمَاءٌ " فَالْعَرْشُ أَعْلَى السَّمَاوَاتِ " وَلَيْسَ إِذَا قَالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: ١٦] يَعْنِي: جَمِيعَ السَّمَاوَاتِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْعَرْشَ الَّذِي هُوَ أَعْلَى السَّمَاوَاتِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ ذَكَرَ السَّمَاوَاتِ فَقَالَ: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} [نوح: ١٦] وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ يَمْلَأْهُنَّ جَمِيعًا. . . وَرَأَيْنَا الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إِذَا دَعَوْا نَحْوَ السَّمَاءِ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُسْتَوٍ عَلَى الْعَرْشِ الَّذِي هُوَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ فَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ لَمْ يَرْفَعُوا أَيْدِيَهُمْ نَحْوَ الْعَرْشِ. ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ دُعَاءِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ إِذَا هُمْ رَغِبُوا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يَقُولُونَ: يَا سَاكِنَ الْعَرْشِ، وَمِنْ حَلِفِهِمْ يَقُولُونَ لَا وَالَّذِي احْتَجَبَ بِسَبْعٍ، وَقَدْ قَالَ قَائِلُونَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْحَرُورِيَّةِ أَنَّ مَعْنَى اسْتَوَى: اسْتَوْلَى وَمَلَكَ وَقَهَرَ، وَأَنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَجَحَدُوا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا قَالَ أَهْلُ الْحَقِّ: وَذَهَبُوا فِي الِاسْتِوَاءِ إِلَى الْقُدْرَةِ فَلَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا: كَانَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَرْشِ وَالْأَرْضِ السَّابِعَةِ ; لِأَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَالْأَرْضُ، فَاللَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهَا وَعَلَى الْحُشُوشِ فَلَوْ كَانَ مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْشِ بِمَعْنَى الِاسْتِيلَاءِ لَجَازَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ مُسْتَوٍ عَلَى الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ مُسْتَوٍ عَلَى الْحُشُوشِ وَالْأَخْلِيَةِ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِوَاءُ عَلَى الْعَرْشِ الِاسْتِيلَاءُ، ثُمَّ بَسَطَ الْأَدِلَّةَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْعَقْلِ وَلَوْلَا خَشْيَةُ الْإِطَالَةِ لَسُقْنَاهَا بِأَلْفَاظِهَا. وَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ فِي كِتَابِ الْأَمَالِي " بَابُ الْقَوْلِ فِي الْأَمَاكِنِ زَعَمَتِ النَّجَّارِيَّةُ أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ مَكَانٍ عَلَى مَعْنَى الصُّنْعِ

<<  <   >  >>