الْمُغْتَابَ (فَيَكْفِيهِ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُ وَلِمَنْ اغْتَابَهُ) وَلَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِحْلَالٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذِهِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ لَكِنْ يَشْكُلُ بِمَا قُدِّمَ آنِفًا مِنْ أَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ هُوَ الْأَذَى فَإِذَا انْتَفَى الْأَذَى فَيَلْزَمُ أَنْ تَنْتَفِيَ الْحُرْمَةُ إلَّا أَنْ يُمْنَعَ كَوْنُ الْعِلَّةِ ذَلِكَ أَوْ يُقَالُ يَكْفِي فِي الْعِلَّةِ الْجِنْسُ وَإِنْ تَخَلَّفَ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ وَقَدْ يُشْرَعُ الْحُكْمُ الْعَامُّ بِالْعِلَّةِ الْخَاصَّةِ كَالْمَشَقَّةِ فِي السَّفَرِ لِلرُّخْصَةِ (دُنْيَا. عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَفَّارَةُ مَنْ اغْتَبْتَهُ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَهُ»
إذَا لَمْ تَصِلَ إلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ أَيْضًا بِمَا إذَا تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ وَاسْتِحْلَالُهُ وَإِلَّا تَعَيَّنَ كَمَا عَرَفْت فِي الْفَيْضِ عَنْ الْغَزَالِيِّ يَحْتَجُّ الْحَسَنُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى كِفَايَةِ الِاسْتِغْفَارِ دُونَ الِاسْتِحْلَالِ وَلَوْ تَابَ قَبْلَ الْوُصُولِ ثُمَّ بَلَغَ لَا تَبْطُلُ التَّوْبَةُ بَلْ يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُمَا الْمُغْتَابِ بِالتَّوْبَةِ وَالْمُغْتَابِ مِنْهُ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ.
كَمَا نُقِلَ عَنْ شَرْحِ الشِّرْعَةِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ ثُمَّ عَنْ ابْنِ الْجَوْزِيِّ بِأَنَّ الْحَدِيثَ مَوْضُوعٌ وَعَنْ عَبَسَةَ مَتْرُوكٌ وَعَنْ السُّيُوطِيّ ضَعِيفٌ وَعَنْ الْعِرَاقِيِّ أَيْضًا فِي تَخْرِيجِ الْإِحْيَاءِ ضَعِيفٌ (وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْأَصَحُّ الَّذِي اخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَعِنْدَ الْبَعْضِ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِحْلَالِ مُطْلَقًا) وَصَلْتَ أَوْ لَا هَذَا عَلَى قِيَاسِ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ فَإِنَّ مَنْ سَرَقَ مَالَ أَحَدٍ يَجِبُ الِاسْتِحْلَالُ بِالِاتِّفَاقِ مُطْلَقًا وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ فَارِقٍ لِأَنَّ الْمَالَ مِلْكَهُ وَحَقَّهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ الْغِيبَةِ فَإِنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ عِلْمِهِ بِالْغِيبَةِ لَمْ يَفُتْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ أَذًى أَصْلًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ حَقٌّ جِدًّا مَعَ أَنَّهُ عَلَى هَذَا لَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ مَعَ الْمُخَالَفَةِ لِلثَّانِي مِنْهُمَا فَالْحَقُّ قَوْلُ الْفَقِيهِ إذْ حِينَئِذٍ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْوُصُولِ وَالثَّانِي عَلَى عَدَمِهِ.
كَذَا ذَكَرَ الْمَوْلَى الْمُحَشِّي لَا يَخْفَى أَنَّ الْقِيَاسَ فِي مَعْرِضِ النَّصِّ لَيْسَ بِمَ قُبُولٍ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الرَّأْيِ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ لَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يَحْكُمَ الْمَقَامَ بِمَسْأَلَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ أَوْ تَرْجِيحِ النَّصِّ الْمُوَافِقِ لِلْقِيَاسِ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ (وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا) يَحْتَاجُ إلَيْهِ (مُطْلَقًا بَلْ يَكْفِيهِ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ) اسْتِدْلَالًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الثَّانِي لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يُعَارِضُهُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَلَى هَذَا بَلْ الْقِيَاسُ أَيْضًا تَدَبَّرْ.
وَعَنْ الْإِحْيَاءِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِحْلَالِ وَالِاعْتِذَارِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا أَوْ مَيِّتًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْثِرَ الِاسْتِغْفَارَ لَهُ وَالدُّعَاءَ وَيُكْثِرَ لَهُ مِنْ الْحَسَنَاتِ وَسَبِيلُ الْمُعْتَذِرِ أَنْ يَبْلُغَ فِي الثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَالتَّوَدُّدِ وَيُلَازِمَ ذَلِكَ حَتَّى يَطِيبَ قَلْبُهُ فَإِنْ لَمْ يَطِبْ قَلْبُهُ كَانَ اعْتِذَارُهُ وَتَوَدُّدُهُ مَحْسُوبًا لَهُ يُقَابِلُ بِهِ سَيِّئَةَ الْغِيبَةِ فِي الْآخِرَةِ.
(ثُمَّ أَعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ بِمَنْ اُغْتِيبَ عِنْدَهُ رَجُلٌ أَوْ بُهِتَ) عَلَيْهِ مِنْ الْبُهْتَانِ (أَنْ يَنْصُرَهُ أَوْ يَذُبَّ) أَيْ يَدْفَعَ (عَنْهُ) غِيبَتَهُ أَوْ بُهْتَانَهُ كَمَا قَالَ «اُنْصُرْ أَخَاك ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا فَقِيلَ كَيْفَ أَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قِيلَ تَدْفَعُ ظُلْمَهُ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute