للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ الْكَذِبَ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنْ الِاسْتِشْهَادِ بِحَسَبِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَجْهُ الْمُعَادَلَةِ أَنَّهُ تَعَالَى جَمَعَ بَيْنَ الرِّجْسِ وَالزُّورِ فِي الْأَمْرِ بِالِاجْتِنَابِ عَنْهُمَا (خ م. عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا» كَرَّرَهُ ثَلَاثًا لِزِيَادَةِ الِاهْتِمَامِ أَوْ لِلتَّشْوِيقِ إلَى الْجَوَابِ «الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» بِمَا يَتَأَذَّيَانِ بِهِ «وَشَهَادَةُ الزُّورِ أَلَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ وَقَوْلُ الزُّورِ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ»

لِئَلَّا يَتْعَبَ وَيَسْتَرِيحَ مِنْ هَذَا التَّكْرِيرِ الْكَثِيرِ، وَالْجُلُوسُ بَعْدَ الِاتِّكَاءِ لِتَأْكِيدِ حُرْمَتِهَا وَشَنَاعَةِ قُبْحِهَا وَعِظَمِ جُرْمِهَا فَإِنْ قِيلَ إنَّ الْعُقُوقَ وَمَا بَعْدَهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ كَوْنِهِمَا كَبِيرَتَيْنِ لَا شَكَّ أَنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ كَالْإِشْرَاكِ فَكَيْفَ جَمَعَهَا فِي كَوْنِهِمَا أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ وَاعْتَنَى بِشَأْنِ الْأَخِيرِ بِالْجُلُوسِ وَالتَّكْرَارِ دُونَ الْأَوَّلِ قُلْنَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ لِلْجَمِيعِ بِحَسَبِ بَعْضِ أَجْزَائِهِ يَعْنِي الْأَوَّلَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا أَوْ يُرَادُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ مَا هُوَ الْأَعَمُّ مِنْ الْحَقِيقِيِّ وَالْإِضَافِيِّ فَالْأَخِيرَانِ أَكْبَرَانِ مِمَّا تَحْتَهُمَا مِنْ الْكَبَائِرِ وَإِنْ كَانَا أَصْغَرَيْنِ مِمَّا فَوْقَهُمَا وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ مِنْ الْإِشْرَاكِ مَا لَا يَبْلُغُ كُفْرًا كَالرِّيَاءِ كَمَا مَرَّ وَأَمَّا أَمْرُ الِاعْتِنَاءِ فَلِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ لَا يَعْتَقِدُونَ كَوْنَ الْأَخِيرِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ أَوْ فِيهِمْ مَنْ يُبْتَلَى بِهَذِهِ الْبَلِيَّةِ دُونَ الْأَوَّلِ ثُمَّ أَيْضًا فِي اقْتِرَانِ الْأَوَاخِرِ بِالْأُوَلِ مَزِيدُ تَهْدِيدٍ وَزِيَادَةُ تَحْذِيرٍ وَتَخْوِيفٍ

(وَ) أَشَدُّ الْبُهْتَانِ أَيْضًا (الِافْتِرَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ) لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى هَدْمِ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَإِفْسَادِ الشَّرِيعَةِ وَالْأَحْكَامِ (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ أَظْلَمُ} [الأنعام: ٢١] اسْتِفْهَامُ إنْكَارٍ {مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الأنعام: ٢١] أَيْ لَا أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِشِدَّةِ جُرْأَتِهِ وَقُوَّةِ جَرِيمَتِهِ {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [يونس: ٦٩]-) لَا يَظْفَرُونَ بِمُرَادَاتِهِمْ وَلَا يَنْجُونَ مِنْ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (خ م. عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ»

فَأَنَّهُ أَعْظَمُ أَنْوَاعِ الْكَذِبِ بَعْدَ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِتَأْدِيَتِهِ إلَى هَدْمِ قَوَاعِدِ الدِّينِ قِيلَ وَلِهَذَا كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إكْثَارَ الْحَدِيثِ خَوْفًا مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَخَافَ بَعْضٌ مِنْ التَّابِعِينَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مِنْ رَفْعِ الْحَدِيثِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَوْقَفَهُ عَلَى الصَّحَابِيِّ وَقَالَ الْكَذِبُ عَلَيْهِ أَهْوَنُ مِنْ الْكَذِبِ عَلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ وَلِذَلِكَ أُمِرَ بِقَتْلِ مَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ وَإِحْرَاقِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: ٣] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٤] «فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» مَسْكَنَهُ أَمْرٌ بِمَعْنَى الْخَبَرِ أَوْ بِمَعْنَى التَّحْذِيرِ أَوْ التَّهَكُّمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>