فِي صُدُورِ مِثْلِهِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَوْعَ بُعْدٍ لِكَوْنِهِ مَغْفُورًا لَهُ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ
أَقُولُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي قَوْلِهِ «لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا» وَقَدْ مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ خَوْفَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَعْرِفَتِهِمْ فَمِثْلُ هَذَا لَيْسَ لِخَوْفِ الْعَذَابِ بَلْ لِمَهَابَتِهِ تَعَالَى وَمَعْرِفَةِ قَدْرِ عَظَمَتِهِ وَجَلَالَتِهِ (وَعَنْ الْفُضَيْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) بْنِ عِيَاضٍ الْوَلِيِّ الْجَلِيلِ خُرَاسَانِيِّ الْأَصْلِ مِنْ نَاحِيَةِ مَرْوَ مَاتَ فِي مَكَّةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ وَمِنْ مَقُولِهِ إذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا أَكْثَرَ غَمَّهُ وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا أَوْسَعَ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ إذَا مَاتَ الْفُضَيْلُ ارْتَفَعَ الْحُزْنُ وَمِنْ مَقُولِهِ لَوْ أَنَّ الدُّنْيَا بِزَخَارِفِهَا عُرِضَتْ عَلَيَّ وَلَا أُحَاسَبُ عَلَيْهَا لَكُنْت أَتَقَذَّرُ عَلَيْهَا كَمَا يَتَقَذَّرُ أَحَدُكُمْ مِنْ الْجِيفَةِ إذَا مَرَّ بِهَا أَنْ تُصِيبَ ثَوْبَهُ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الرَّازِيّ صَحِبْت الْفُضَيْلَ ثَلَاثِينَ سَنَةً فَمَا رَأَيْته ضَاحِكًا وَلَا مُتَبَسِّمًا إلَّا يَوْمَ مَاتَ ابْنُهُ فَقُلْت لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ أَحَبَّ أَمْرًا فَأَحْبَبْته كَذَا فِي الْقُشَيْرِيَّةِ (إنِّي لَا أَغْبِطُ) مِنْ الْغِبْطَةِ (مَلَكًا مُقَرَّبًا وَلَا نَبِيًّا مُرْسَلًا وَلَا عَبْدًا صَالِحًا) هُوَ مَنْ صَرَفَ عُمْرَهُ فِي طَاعَتِهِ تَعَالَى الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ التَّنَزُّلِ خِلَافُ التَّرَقِّي لَكِنْ ذِكْرُ الْآخَرِ بَعْدَ الْأَوَّلَيْنِ لِمُجَرَّدِ الْبَسْطِ وَالْإِطْنَابِ وَإِلَّا فَكَانَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِمَا وَأَشَارَ إلَى عِلَّةِ الْحُكْمِ بِقَوْلِهِ (أَلَيْسَ هَؤُلَاءِ يُعَايِنُونَ الْقِيَامَةَ) أَهْوَالَهَا وَأَحْوَالَهَا لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَعْصُومَ لَيْسَ لَهُ خَوْفُ الْقِيَامَةِ فَظَاهِرُهُ يُنَافِي عِصْمَتَهُمْ إلَّا أَنْ يُقَالَ خَوْفُهُمْ مِنْ الْمُعَايَنَةِ لَا لِنَفْسِهِمْ بَلْ لِغَيْرِهِمْ كَالْأُمَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَنْبِيَائِهِمْ أَوْ يَزْدَادُ خَوْفُ الْمَهَابَةِ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ لِازْدِيَادِ الْمَعْرِفَةِ بِظُهُورِ آثَارِ الْقُدْرَةِ الْقَوِيَّةِ (إنَّمَا أَغْبِطُ مَنْ لَمْ يُخْلَقْ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ إذْ الْغِبْطَةُ: تَمَنِّي مِثْلِ نِعْمَةِ الْغَيْرِ قَالَ فِي الْقُشَيْرِيَّةِ كَانَ الْفُضَيْلُ شَاطِرًا يَقْطَعُ الطَّرِيقَ بَيْنَ أَبِي وَرْدٍ وَسَرْخَسَ
وَكَانَ سَبَبُ تَوْبَتِهِ أَنَّهُ عَشِقَ جَارِيَةً فَبَيْنَمَا هُوَ يَتَرَقَّى الْجُدْرَانَ إلَيْهَا سَمِعَ تَالِيًا يَتْلُو - {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: ١٦]- فَقَالَ يَا رَبِّ قَدْ تُبْت فَرَجَعَ فَأَدَّاهُ اللَّيْلُ إلَى خَرِبَةٍ فَإِذَا فِيهَا رِفْقَةٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَرْتَحِلُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ حَتَّى نُصْبِحَ فَإِنَّ فُضَيْلًا عَلَى الطَّرِيقِ يَقْطَعُ عَلَيْنَا قَالَ فَتَابَ الْفُضَيْلُ وَآمَنَهُمْ وَجَاوَرَ الْحَرَمَ حَتَّى مَاتَ وَذَكَرَ الْقِصَّةَ فِي رَوْضَةِ الزَّنْدَوَسْتِيِّ بِغَيْرِ هَذَا (وَعَنْ عَطَاءِ) بْنِ أَبِي رَبَاحٍ التَّابِعِيِّ الْجَلِيلِ (لَوْ أَنَّ نَارًا أُوقِدَتْ فَقِيلَ مَنْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِيهَا صَارَتْ) أَيْ تِلْكَ النَّفْسُ (لَا شَيْئًا)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute