للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «مِنْ ذَهَبٍ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ» لَكِنْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادٍ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى إلَيْهِ ثَانِيًا» ثُمَّ، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَادِيَانِ «لَابْتَغَى لَهُمَا ثَالِثًا» ، وَهَلُمَّ جَرَّا إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ «، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ نَفْسَ بَدَلَ جَوْفَ، وَفِي أُخْرَى، وَلَا يَسُدُّ جَوْفَ، وَفِي أُخْرَى، وَلَا يَمْلَأُ عَيْنَ، وَفِي أُخْرَى، وَلَا يَمْلَأُ فَاهُ، وَفِي أُخْرَى، وَلَا يَعْلَى بَطْنَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ عُضْوًا بِعَيْنِهِ بَلْ الْمُرَادُ مِنْ الْكُلِّ وَاحِدٌ، وَهُوَ التَّفَنُّنُ ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ كَمَا فِي الْفَيْضِ (إلَّا التُّرَابَ) لَا يَزَالُ حَرِيصًا عَلَى الدُّنْيَا حَتَّى يَمُوتَ وَيُمْلَأَ جَوْفُهُ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ «وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ» فَيَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ حِرْصِهِ كَمَا عَنْ سَائِرِهِ أَوْ تَابَ بِمَعْنَى وُفِّقَ يَعْنِي جُبِلَ الْآدَمِيُّ عَلَى حُبِّ الْحِرْصِ إلَّا مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ، وَعَصَمَهُ لِإِزَالَةِ هَذِهِ الْجِبِلَّةِ عَنْهُ، وَفِي ذِكْرِ ابْنِ آدَمَ دُونَ الْإِنْسَانِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ وَمِنْ طَبْعِهِ الْقَبْضُ وَالْيُبْسُ، وَإِزَالَتُهُ مُمْكِنَةٌ بِأَنْ يُمْطِرَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ غَمَامِ تَوْفِيقِهِ.

(تَنْبِيهٌ) : ذَهَبَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ إلَى أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ لَوْ كَانَ لِأَبْنَاءِ الدُّنْيَا ذَلِكَ لَطَلَبُوا الزِّيَادَةَ مِنْهُ بِخِلَافِ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ أَيْ لَوْ كَانَ لِبَنِي آدَمَ الَّذِينَ نَظَرُوا إلَى ظَاهِرِ الدُّنْيَا دُونَ بَاطِنِهَا وَادِيَانِ مِنْ ذَلِكَ لَابْتَغَوْا ثَالِثًا، وَهَكَذَا بِخِلَافِ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ الَّذِينَ أَحْدَقُوا بِبَصَرِهِمْ إلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَعَرَفُوا مَا يُقَرِّبُهُمْ إلَى حَضْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا يُبْعِدُهُمْ عَنْهَا، وَأَطَالَ وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَيْضًا ابْنُ عَبَّاسٍ وَالزُّبَيْرُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَبُرَيْدَةُ حَتَّى قِيلَ إنَّهُ مُتَوَاتِرٌ

قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ بَعْدَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ، وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْجِبِلَّةُ لِلْآدَمِيِّ مُضِلَّةً وَغَرِيزَةً مُهْلِكَةً أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ عَلَى الْقَنَاعَةِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ إلَى الْإِسْلَامِ وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافًا وَقَنَعَ بِهِ» ، وَقَالَ «مَا مِنْ أَحَدٍ غَنِيٍّ، وَلَا فَقِيرٍ إلَّا وَتَمَنَّى يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَدْنَى قُوتٍ فِي الدُّنْيَا» ، وَفِي عِظَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَعْرَابِيٍّ «اجْمَعْ الْيَأْسَ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ» ، وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ الطَّمَعَ فَقْرٌ وَالْيَأْسَ غِنًى.

(الْمَقَامُ الثَّانِي فِي ضِدِّ حُبِّ الدُّنْيَا وَضِدِّ الْحِرْصِ) . وَهُوَ الْقَنَاعَةُ (وَمَدْحُهُمَا ضِدُّ الْأَوَّلِ) حُبِّ الدُّنْيَا (الزُّهْدُ أَعْنِي) بِهِ (كَرَاهَةَ الدُّنْيَا وَبُرُودَتَهَا عَلَى الْقَلْبِ وَضِدُّ الثَّانِي) ، وَهُوَ الْحِرْصُ (الْقَنَاعَةُ، وَهُوَ) أَيْ الْقَنَاعَةُ وَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ (الِاكْتِفَاءُ بِالْيَسِيرِ مِنْ الدُّنْيَا) مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَثِيرَةِ (بِلَا طَلَبِ الزِّيَادَةِ) فَعِنْدَهَا يَدُومُ عِزُّهُ وَيَسْلَمُ دِينُهُ؛ وَلِذَا يَقُولُونَ عَزَّ مَنْ قَنَعَ ذَلَّ مَنْ طَمِعَ وَالْعَبْدُ حُرٌّ إنْ قَنَعَ وَالْحُرُّ عَبْدٌ إنْ قَنَعَ أَيْ طَمِعَ (طب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا» أَيْ تَرْكُ الرَّغْبَةِ فِيهَا «يُرِيحُ الْقَلْبَ» مِنْ آفَاتِ التَّعَلُّقِ بِهَا «وَالْجَسَدَ» .

وَفِي رِوَايَةٍ وَالْبَدَنَ؛ لِأَنَّهُ يُفْرِغُهُ لِعِمَارَةِ وَقْتِهِ وَجَمْعِ قَلْبِهِ عَلَى مَا هُوَ بِصَدَدِهِ، وَقَطْعِ مَوَادِّ طَمَعِهِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَفْسَدِ الْأَشْيَاءِ لِلْقَلْبِ قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ وَاسِعٍ أَوْصِنِي قَالَ أُوصِيك أَنْ تَكُونَ مَلِكًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَ كَيْفَ قَالَ الزُّهْدَ فَالْزَمْ؛ وَلِلْحَدِيثِ تَتِمَّةٌ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَهِيَ الرَّغْبَةُ فِيهَا تُتْعِبُ الْقَلْبَ وَالْبَدَنَ فَالْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَهُ سِيَّمَا لَهُ مَدْخَلِيَّةٌ لِلِاسْتِشْهَادِ.

قَالَ الْمُنَاوِيُّ فَيَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْهَا إلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ وَالنَّفْسُ تَسْلَى وَتُعَوَّدُ مَا عَوَّدْتَهَا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>