الظَّاهِرُ مَا فِي الِاعْتِقَادِيَّاتِ الَّتِي هِيَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ (حَرَامٌ لَا يُعْفَى عَنْهُ) بِدُونِ أَثَرٍ خَارِجِيٍّ (فَلِمَ لَا يَكُونُ مُجَرَّدُ سُوءِ الظَّنِّ وَالْحَسَدِ وَنَحْوِهِمَا كَذَلِكَ) أَيْ حَرَامًا لَا يُعْفَى عَنْهُ (مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ النَّوْعَيْنِ الْكُفْرُ وَالْبِدْعَةُ وَسُوءُ الظَّنِّ مَعَ الْحَسَدِ فَالظَّاهِرُ مِنْهَا بَدَلٌ مِنْهُمَا (فِعْلٌ قَلْبِيٍّ) التَّحْقِيقُ أَنَّهُمَا مِنْ مَقُولَةِ الْكَيْفِ كَمَا فِي عِلْمِ الْكَلَامِ (فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا) حَتَّى كَانَ الْأَوَّلُ حَرَامًا دُونَ الثَّانِي (قُلْت الْأَوَّلُ) أَيْ اعْتِقَادُ الْكُفْرِ وَالْبِدْعَةِ وَهُوَ الْأَوْفَقُ لِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ فِي قَوْلِهِ كُلًّا مِنْهُمَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْأَوَّلَانِ وَهُوَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى (قُبْحُهُمَا وَحُرْمَتُهُمَا لِذَاتِهِمَا) لَا لِكَوْنِهِمَا بَاعِثَيْنِ لِعَمَلٍ مَحْظُورٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودٌ آخَرُ سِوَى ذَاتِهِمَا كَجَمِيعِ الِاعْتِقَادِيَّاتِ وَأَهْلُ الْأُصُولِ يَقُولُونَ الْكُفْرَ مِمَّا قَبُحَ لِعَيْنِهِ لِإِدْرَاكِ مُجَرَّدِ الْعَقْلِ قُبْحِهِ (وَقُبْحُ مَا نَحْنُ فِيهِ وَحُرْمَتُهُ) مِنْ سُوءِ الظَّنِّ وَالْحَسَدِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ (لِسَبَبِيَّةِ الْعَمَلِ الْقَبِيحِ) فَإِنَّ أَثَرَهُ مِنْ الْقَبَائِحِ مُتَسَبِّبٌ عَنْهُ (فَإِذَا تَجَرَّدَ عَنْهُ وَلَمْ يُفِضْ إلَيْهِ لَا يَبْعُدُ) مِنْ سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ (أَنْ يَرْتَفِعَ عَنْهُ الْحُرْمَةُ وَالْإِثْمُ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ إنَّمَا يَتِمُّ بِالْحُكْمِ عَلَى مُقْتَضَى النَّصِّ.
وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى الشَّكِّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّأَدُّبِ وَالتَّبَرُّكِ، كَيْفَ وَهَذَا قَرِيبٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ الِاعْتِقَادِيَّاتِ وَقَدْ قُرِّرَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّيَّاتِ فِي بَابِ الِاعْتِقَادِيَّاتِ لَكِنْ لَا يُلَائِمُ قَوْلَهُ فِي أَوَّلِ الْبَحْثِ وَظَنَّ هَذَا الْفَقِيرُ عَدَمَهَا لَعَلَّ الْمَطْلَبَ ظَنِّيٌّ فَيَقْنَعُ بِالظَّنِّ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ قُرِّرَ فِي مَحَلِّهِ أَنَّ لِلْوَسَائِلِ أَحْكَامَ الْمَقَاصِدِ (لَا سِيَّمَا فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرِ الْأُمَمِ لِتَشْرِيفِ حَبِيبِهِ وَتَكْرِيمِ صَفَّيْهِ) كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ لَفْظُ أُمَّتِي فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ وَرَفْعُ التَّكَالِيفِ الشَّاقَّةِ مِنْ نَحْوِ الْإِصْرِ وَالْأَغْلَالِ الَّتِي كَلَّفَ بِهَا الْأُمَمَ الْخَالِيَةَ مِنْ بَخْعِ النَّفْسِ فِي التَّوْبَةِ وَقَطْعِ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ وَخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَصَرْفِ رُبْعِ الْمَالِ فِي الزَّكَاةِ وَحُرْمَةِ الْحَلَالِ عِنْدَ الْمَعْصِيَةِ وَرَفْعِ الْمَسْخِ وَالْخَسْفِ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّهْلَةِ» وَقَالَ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَسْفُ وَالْمَسْخُ» . قِيلَ لَكِنْ فِيهِ مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: ٢٨٤]- إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦]- وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا كَمَا ذَكَرَهُ الْفَخْرُ الرَّازِيّ. أَقُولُ قَدْ اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَامَ قَبْلُ فَارْجِعْ إلَيْهِ.
وَقَدْ حُكِيَ عَنْ الْمُحَاسِبِيِّ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْحَسَدَ الْقَلْبِيَّ بِلَا إفْضَاءٍ إلَى الْعَمَلِ إثْمٌ وَلَوْ اشْتَرَطَ الْجَوَارِحَ لَكَانَتْ الْغِيبَةُ الْمُتَسَبِّبَةُ عَنْ الْحَسَدِ حَسَدًا، وَكَذَا الْكَذِبُ وَالضَّرْبُ وَنَحْوُهُمَا ثُمَّ قَالَ فَقَدْ أَخْطَأَ مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ وَخَرَجَ مِنْ مَعْقُولِ الدِّينِ وَقِيلَ عَلَيْهِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: ٢٢٥]- وَقَوْلُهُ - {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} [المائدة: ٤١]- (نَعَمْ قَصْدُ الْمَعْصِيَةِ وَهَمُّهَا لَا سِيَّمَا الْعَزْمُ الْمُصَمِّمُ) عَلَى الْفِعْلِ (قَلَّمَا يُوجَدُ بِدُونِ الْأَثَرِ عَلَى الْجَوَارِحِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِلَّةٌ تَامَّةٌ فَيَجُوزُ التَّخَلُّفُ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ ذَلِكَ الْقَصْدَ وَالْعَزْمَ وَالْهَمَّ لَا يُؤْثِمُ (وَلَا كَلَامَ أَيْضًا أَنَّ الْكَمَالَ أَنْ يُخْلِيَ الْإِنْسَانُ قَلْبَهُ عَنْ الْعَزَائِمِ الْفَاسِدَةِ وَالصِّفَاتِ الْخَبِيثَةِ) الرَّذِيلَةِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ وَالْأَخْذَ بِالْعَزِيمَةِ إنَّمَا هُوَ فِي الِاتِّفَاقِ لَا يَخْفَى أَنَّ الصِّفَاتِ مَا لَمْ تُؤْثِمْ لَا تَكُونُ خَبِيثَةً وَلَا فَاسِدَةً فَافْهَمْ.
(وَيُحَلِّيه بِالنِّيَّاتِ الصَّالِحَةِ وَالصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ) لِيَتَوَصَّلَ بِهَا إلَى الْأَفْعَالِ الْمَرَضِيَّةِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَيُؤْجَرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute