للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَيْدٌ وُقُوعِيٌّ لَعَلَّهُ لَيْسَ بِاحْتِرَازِيٍّ (بِالِاتِّفَاقِ) وَمَعْصِيَةٌ عَظِيمَةٌ وَأَيُّ مَعْصِيَةٍ تَزِيدُ عَلَى كَرَاهَتِك لِرَاحَةِ الْمُسْلِمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَك فِيهِ مَضَرَّةٌ (وَإِنْ لَمْ تَعْمَلْ بِمُقْتَضَاهُ وَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ أَصْلًا) كُلًّا أَوْ بَعْضًا فِي أَيْ جَارِحَةٍ.

(وَكَانَ الْمَوْجُودُ فِي الْقَلْبِ نَفْسِهِ) أَيْ نَفْسِ الْحَسَدِ (فَقَطْ) دُونَ الْجَوَارِحِ (فَحَسَدٌ) أَيْضًا لَكِنْ (اخْتَلَفُوا فِي حُرْمَتِهِ وَ) فِي (كَوْنِ صَاحِبِهِ آثِمًا وَمُخْتَارُ الْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ حُرْمَتُهُ وَظَنَّ هَذَا الْفَقِيرُ) يُرِيدُ الْمُصَنِّفَ نَفْسَهُ هَضْمًا لِنَفْسِهِ (عَدَمَهَا) قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ وَبَعْدَمَا كَتَبْت هَذَا وَجَدْت الشَّيْخَ أَكْمَلَ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ سَبَقَنِي وَاخْتَارَ فِي هَذَا عَدَمَ الْحُرْمَةِ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ فَوَقَعَ التَّوَارُدُ فِي الْمُدَّعَى فَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ثَلَاثٌ لَا يَنْجُو مِنْهُنَّ أَحَدٌ الظَّنُّ» بِالنَّاسِ سُوءًا «وَالطِّيَرَةُ» وَهُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ أَمَارَةً لِلشَّرِّ «وَالْحَسَدُ وَسَأُحَدِّثُكُمْ بِالْمَخْرَجِ» الْخَلَاصِ «مِنْ ذَلِكَ» الْمَذْكُورِ وَذَلِكَ الْمَخْرَجُ قَوْلُهُ «إذَا ظَنَنْت» السُّوءَ لِأَحَدٍ «فَلَا تُحَقِّقْ» أَيْ لَا تُخْرِجْ أَثَرَهُ فِي جَوَارِحِك مَا لَمْ تَتَيَقَّنْ «وَإِذَا تَطَيَّرْت فَامْضِ» وَلَا تَعْمَلْ بِمُقْتَضَاهُ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى «وَإِذَا حَسَدْت فَلَا تَبْغِ» لَا تَظْلِمْ عَلَى الْمَحْسُودِ عَلَيْهِ فِعْلًا أَوْ قَوْلًا فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْحَسَدَ الَّذِي لَا يَظْهَرُ فِي الْجَوَارِحِ أَثَرُهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ لَا يَخْفَى أَنْ يَكُونَ مَعْنَى لَا تَبْغِ بِإِبْقَائِهِ فِي قَلْبِك وَاسْتِمْرَارِهِ فِيهِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَا فِي كَوْنِ ابْتِدَائِهِ اضْطِرَارِيًّا وَإِبْقَائِهِ اخْتِيَارِيًّا فَالْحُرْمَةُ حِينَئِذٍ لَا تَحْتَاجُ إلَى الْإِظْهَارِ بِالْجَوَارِحِ بَلْ تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِمْرَارِ فِي الْقَلْبِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ النِّيَّةَ عَلَى الشَّرِّ إنْ كَانَتْ فِي مَرْتَبَةِ التَّصْمِيمِ وَالِاسْتِمْرَارِ فَيُؤَاخَذُ بِهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} [الإسراء: ٣٦] .

(خَرَّجَهُ دُنْيَا) ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا. (وَحَمْلُ الْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ غَيْرُ مُوَجَّهٍ (هَذَا) أَيْ الْحَسَدَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ (عَلَى حُبِّ الطَّبْعِ لِزَوَالِ نِعْمَةِ الْعَدُوِّ مَعَ الْكَرَاهَةِ مِنْ جِهَةِ الدِّينِ وَالْعَقْلِ) عَلَى مَعْنَى إذَا حَسَدْت إذَا وَجَدْت حُبًّا طَبِيعِيًّا فِي قَلْبِك لِزَوَالِ نِعْمَةِ الْعَدُوِّ فَلَا تَبْغِ أَيْ فَلَا تَقْبَلْهُ بَلْ انْكِرْهُ وَاكْرَهْهُ كَمَا نُقِلَ عَنْهُ (غَيْرُ مُوَجَّهٍ إذْ الْحَسَدُ حَقِيقَةٌ فِي الْإِرَادَةِ) الظَّاهِرُ مُطْلَقٌ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْحَسَدَ لَيْسَ مُطْلَقَ الْإِرَادَةِ بَلْ إرَادَةَ زَوَالِ نِعْمَةِ اللَّهِ إلَخْ، وَلَيْسَ اللَّفْظُ فِي بَعْضِ مَعْنَاهُ حَقِيقِيًّا، بَلْ ذِكْرُ الْكُلِّ وَإِرَادَةُ الْجُزْءِ أَوْ ذِكْرُ الْخَاصِّ وَإِرَادَةُ الْعَامِّ مِنْ الْمَجَازِ، نَعَمْ اسْتِعْمَالُهُ اللَّفْظَ فِي بَعْضِ مَعْنَاهُ حَقِيقَةٌ قَاصِرَةٌ عِنْدَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا بَعْدَ تَسْلِيمِ ذَاكَ حَقِيقَةً مُطْلَقَةً فَافْهَمْ (الَّتِي هِيَ ضِدُّ الْكَرَاهَةِ) فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>