الْفُقَهَاءِ يُنْدَبُ لِلْإِمَامِ الْأَسْرَارُ بِأَذْكَارِ الصَّلَاةِ إلَّا إذَا قَصَدَ التَّعْلِيمَ فَيَجْهَرُ بِقَدْرِ مَا يَتَعَلَّمُونَ وَيَعُودُ لِحَالِهِ بَعْدُ (وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمُقْتَدَى بِهِ) فِي الْحَصْرِ خَفَاءٌ إذْ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ، إذْ رُبَّ شَخْصٍ إذَا رَأَى طَاعَةً مِنْ رَجُلٍ أَدْنَى مِنْهُ تَمَسُّهُ الْغَيْرَةُ وَتَجْذِبُهُ الْحَمِيَّةُ فَيَكُونُ أَدْعَى مِنْ الْمُقْتَدَى بِهِ نَعَمْ إنَّ غَيْرَ الْمُقْتَدَى إذَا أَظْهَرَ بَعْضَ الطَّاعَةِ رُبَّمَا يَنْسُبُونَهُ إلَى الرِّيَاءِ وَالنِّفَاقِ وَيَذُمُّونَهُ فَحِينَئِذٍ لَا يُظْهِرُ (وَقَدْ يَكُونُ الْبَاعِثُ) عَلَى الْإِظْهَارِ (الرِّيَاءَ وَلِإِبْلِيسَ تَلْبِيسٌ فِي كِلَا الْجَانِبَيْنِ) أَيْ تَلْبِيسٌ فِي طَرَفَيْ الرِّيَاءِ وَالْإِخْلَاصِ (فَعَلَيْك التَّيَقُّظُ) وَالتَّنَبُّهُ لَا الذُّهُولُ وَالْغَفْلَةُ فَإِنَّ الْأَمْرَ خَفِيٌّ وَالْخَطَرُ جَلِيٌّ (فَإِنْ اشْتَبَهَ) عَلَيْك الْأَمْرُ (فَعَلَيْك بِالْإِخْفَاءِ فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ) فَإِنَّ الْخَطَرَ يُرَجَّحُ عَلَى النَّدْبِ عِنْدَ جَمْعِهِمَا وَتَعَارُضِهِمَا؛ أَوْ لِأَنَّ عَدَمَ الضَّرَرِ فِي الْخَفَاءِ مُتَيَقَّنٌ وَفِي الْعَلَنِ مُحْتَمَلٌ وَالْمُحْتَمَلُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ (لَا أَنْ يَكُونَ الْإِظْهَارُ وَاجِبًا) كَالْجُمُعَةِ (أَوْ سُنَّةً كَالْجَمَاعَةِ) فَحِينَئِذٍ يُظْهِرُهُ وَيُظْهِرُ الرَّغْبَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَتْرُكُ مِثْلَهُمَا بِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ الرِّيَاءِ.
ثُمَّ قِيلَ هُنَا وَاحْتِمَالُ الرِّيَاءِ فِي الْجَهْرِ أَيْ فِي الْأَذْكَارِ لَا يُوجِبُ حُرْمَتَهُ غَايَتُهُ أَوْلَوِيَّةُ الْإِخْفَاءِ إذْ لَمْ يُقَارِنْ الْجَهْرَ بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَغَرَضٍ مَسْنُونٍ كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَالْأَذَانِ وَالْخُطْبَةِ وَإِيقَاظِ الْغَافِلِينَ وَتَلْقِينِ الْأَمْوَاتِ وَالْأَحْيَاءِ وَإِذَا قُرِنَ بِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ كَانَ الْجَهْرُ أَوْلَى كَمَا فِي التَّحْقِيقِيَّةِ انْتَهَى أَقُولُ إطْلَاقُهُ مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ الْمُشَارَةِ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ فَعَلَيْك الْإِخْفَاءُ إلَى آخِرِهِ فَإِنَّ فِي جَانِبِ الْجَهْرِ احْتِمَالَ الْحُرْمَةِ وَفِي جَانِبِ الْخَفَاءِ قَطْعِيَّةَ الْفَضِيلَةِ وَلَمْ يَدْعُ دَاعٍ مِنْ الشَّرْعِ كَالسُّنَّةِ غَايَتُهُ هُوَ الْجَوَازُ أَوْ الْأَفْضَلِيَّةُ إذَا سَلِمَ مِنْ الْمَوَانِعِ ثُمَّ قَالَ عَنْ الْمُظْهِرِ الذِّكْرَ بِرَفْعِ الصَّوْتِ جَائِزٌ بَلْ مُسْتَحَبٌّ إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ رِيَاءٍ لِيَغْتَنِمَ النَّاسُ بِإِظْهَارِ الدِّينِ وَوُصُولِ بَرَكَةِ الذِّكْرِ إلَى السَّامِعِينَ وَلْيَشْهَدْ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ أَقُولُ قَدْ كَثُرَ فِي حَقِّ الذِّكْرِ الْجَهْرِيِّ كَلَامٌ جَوَازًا أَوْ لَا وَأَفْضَلِيَّةً أَوْ لَا بِالْأَدِلَّةِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ جَرْحًا وَتَعْدِيلًا وَلِهَذَا حَرَّرْنَا رِسَالَةً مُسْتَقِلَّةً لِتَحْقِيقِ الْحَقِّ حَاصِلُهَا الْجَوَازُ عِنْدَ خُلُوِّهِ عَنْ الْعُيُوبِ الشَّرْعِيَّةِ كَالرِّيَاءِ وَفَضْلُهُ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَغْرَاضِ وَالْأَحْوَالِ.
(وَمِنْ ذَلِكَ) التَّرَدُّدِ (التَّحْدِيثُ) الْإِخْبَارُ (بِمَا فَعَلَهُ مِنْ الطَّاعَاتِ بَعْدَ الْفَرَاغِ) مِنْهَا (وَحُكْمُهُ حُكْمُ إظْهَارِ نَفْسِهِ) نَفْسِ الْعَمَلِ فَإِنْ بِقَصْدِ الِاقْتِدَاءِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ لِنَظَرِ الْخَلْقِ فَرِيَاءٌ وَإِنْ اشْتَبَهَ أَسَرَّ قِيلَ وَالْخَطَرُ فِي هَذَا أَشَدُّ؛ لِأَنَّ مَئُونَةَ النُّطْقِ خَفِيفَةٌ عَلَى اللِّسَانِ وَقَدْ يَجْرِي فِي الْحِكَايَةِ زِيَادَةٌ وَمُبَالَغَةٌ وَلِلنَّفْسِ لَذَّةٌ عَظِيمَةٌ فِي إظْهَارِ الدَّعَاوَى (إلَّا أَنَّهُ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهِ الرِّيَاءُ) بِأَنْ يَكُونَ الْإِخْلَاصُ عِنْدَ الْعَمَلِ فَيَعْرِضُ الرِّيَاءُ عِنْدَ الْإِخْبَارِ (لَمْ يُؤَثِّرْ) وَلَوْ نَقْصًا (فِي إفْسَادِ الْعِبَادَةِ الْمَاضِيَةِ) بَلْ تَبْقَى صَحِيحَةً مُعْتَدَّةً بِهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى لِتَمَامِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ فِي الصِّفَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute