قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَهُوَ مَحْمَلُ هَذَا الْحَدِيثِ.
(فَائِدَةٌ)
كَانَ يَكْتُمُ عُلَمَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ النُّجُومَ، وَالطِّبَّ عَنْ أَوْلَادِهِمْ لِئَلَّا يَتَقَرَّبُوا بِهِمَا إلَى الْمَطَالِبِ الدُّنْيَوِيَّةِ الدَّنِيَّةِ فَيَضْمَحِلَّ دِينُهُمْ كَذَا فِي الْمُنَاوِيِّ.
(وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَتَعَلُّمُ عِلْمِ النُّجُومِ قَدْرَ مَا يُعْلَمُ بِهِ مَوَاقِيتُ الصَّلَاةِ، وَالْقِبْلَةِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَالزِّيَادَةُ حَرَامٌ انْتَهَى) لِإِفْضَائِهِ إلَى مَعْرِفَةِ الْحَوَادِثِ وَاطِّلَاعِ الْغَيْبِ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَتَأْوِيلُ قَوْله تَعَالَى {وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} [الملك: ٥]- أَيْ جَعَلْنَا النُّجُومَ سَبَبًا لِكَذِبِ الْمُنَجِّمِينَ أُطْلِقَ اسْمُ الشَّيْطَانِ عَلَى النَّجْمِ وَسُمِّيَ هَذَيَانُهُ رَجْمًا مِنْ رَجْمِ الْغَيْبِ.
(وَفِي بُسْتَانِ الْعَارِفِينَ وَلَوْ تَعَلَّمَ مَنْ عَلِمَ النُّجُومَ مِقْدَارَ مَا يَعْرِفُ بِهِ الْقِبْلَةَ وَأَمْرَ الْحِسَابِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِقْدَارُ مَا يَعْرِفُ بِهِ الْحِسَابَ فَقَطْ (فَلَا بَأْسَ بِهِ) فَإِنْ قِيلَ إنَّ مَا لَا بَأْسَ فِيهِ فِي الْعُرْفِ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا تَرْكُهُ أَوْلَى وَقَدْ سَمِعْت الْأَمْرَ النَّبَوِيَّ آنِفًا مِنْ قَوْلِهِ «تَعَلَّمُوا مِنْ النُّجُومِ مَا تَهْتَدُونَ بِهِ» .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَهْتَدِي بِهِ. قُلْنَا الْأَمْرُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَى مُطْلَقِ الْإِذْنِ وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ أَنَّ كَلِمَةَ لَا بَأْسَ قَدْ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْوُجُوبِ كَلَا جُنَاحَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: ١٥٨] وَالسَّعْيُ وَاجِبٌ عِنْدَنَا فَرْضٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَلَا بَأْسَ وَلَا جُنَاحَ وَاحِدٌ وَبِمَعْنَى الِاسْتِحْبَابِ، وَالسُّنَّةِ كَمَا فِي قَوْلِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ لَا بَأْسَ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ لِلصَّائِمِ وَبِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِمْ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَقُشَّ الْمَسْجِدَ بِالْجَصِّ وَمَاءِ الذَّهَبِ أَيْ لَا أَجْرَ وَلَا إثْمَ وَبِمَعْنَى تَرْكِ الْأَوْلَى أَيْ الْمُسْتَحَبِّ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْبَأْسَ الشِّدَّةُ وَبِمَعْنَى لَا يَجُوزُ نَحْوَ قَوْلِهِمْ لَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ أَيْ لَا يَجُوزُ لَكِنَّ الشَّائِعَ فِيمَا تَرَكَهُ أَوْلَى وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الْكِفَايَةِ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْغَالِبِ الشَّائِعِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِالنَّادِرِ.
وَلِهَذَا يُقَالُ الْمُفْرَدُ يُلْحَقُ بِالْأَعَمِّ، وَالْأَغْلَبِ فِي الْعُرْفِ، وَاللُّغَةِ نَعَمْ قَدْ يُعْدَلُ عَنْ الْأُصُولِ، وَالْقَوَاعِدِ بِالْعَوَارِضِ، وَالْمَوَانِعِ (وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا ذُكِرَ (إذَا تَعَلَّمَ مِقْدَارَ مَا يَعْرِفُ بِهِ الْقِبْلَةَ وَأَمْرَ الْحِسَابِ انْتَهَى، وَفِي تَعْلِيمِ الْمُتَعَلِّمِ عِلْمَ النُّجُومِ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ) ؛ لِأَنَّهُ يُمْرِضُ الْقَلْبَ وَيُوهِنُ الِاعْتِقَادَ بِتَأْثِيرِ غَيْرِهِ تَعَالَى وَبِاعْتِقَادِ الْغَيْبِ وَنَحْوِهِمَا (فَتَعَلُّمُهُ حَرَامٌ) وَكَذَا تَعْلِيمُهُ (لِأَنَّهُ يَضُرُّ) بِدِينِهِ.
قَالَ الْمُحَشِّي عِلْمُ الْحَالِ غِذَاءٌ وَعِلْمُ الْكَلَامِ دَوَاءٌ وَعِلْمُ النُّجُومِ مَرَضٌ وَسُمٌّ وَاجِبُ الِاحْتِرَازِ (وَلَا يَنْفَعُ، وَالْهَرَبُ مِنْ قَضَائِهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ انْتَهَى) إشَارَةً إلَى رَدِّ مَا اعْتَقَدُوا مِنْ فَوَائِدِ النُّجُومِ لِأَنَّهُ إذَا عُلِمَ وُقُوعُ زَلْزَلَةٍ فِي أَرْضِ كَذَا فِي وَقْتِ كَذَا يُحْتَرَزُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَنْ تِلْكَ الْأَرْضِ فَيَنْجُو وَإِذَا عُلِمَ انْهِزَامُ هَذَا الْعَسْكَرِ وَكَوْنِهِمْ قَتْلَى لَا يَحْضُرُ وَيَنْجُو مِنْ الْهَلَاكِ وَهَكَذَا غَرَقُ سَفِينَةٍ وَإِحْرَاقُ دَارٍ وَنَحْوِهَا وَعَدَمُ إمْكَانِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُغْنِي حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ» لَا يُقَالُ فِيهِ اعْتِرَافٌ بِصِحَّةِ مَا ادَّعَوْا مِنْ اطِّلَاعِ الْكَوَائِنِ الْمُسْتَقْبَلَةِ.
لِأَنَّا نَقُولُ الْكَلَامُ عَلَى الْفَرْضِ، وَالتَّنْزِيلُ لَا عَلَى الْوُقُوعِ، وَالتَّحْقِيقِ لَكِنَّ ذَلِكَ جَازَ فِي نَحْوِ الصَّدَقَةِ، وَالْبِرِّ، وَالدُّعَاءِ، وَالصِّلَةِ وَقَدْ بَسَطْنَا ذَلِكَ فِي رِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ مُعَلَّقَةٍ عَلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إلَّا الدُّعَاءُ وَلَا يَزِيدُ الْعُمْرَ إلَّا الْبِرُّ» فَارْجِعْ تَظْفَرْ بِفَوَائِدَ بَلْ نَفَائِسَ مِنْ دَقَائِقِ الْكَلَامِيَّةِ (أَقُولُ) تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَقَاوِيلِ مَنْعًا وَمَسَاغًا (فَمَا هُوَ الْحَرَامُ مِنْ عِلْمِ النُّجُومِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ) بِالْحُكْمِ بِأَنَّهُ يَقَعُ كَذَا وَيُولَدُ كَذَا وَيَهْلِكُ بِكَذَا وَهَكَذَا (كَقَوْلِهِمْ إذَا وَقَعَ كُسُوفٌ أَوْ خُسُوفٌ أَوْ زَلْزَلَةٌ أَوْ نَحْوُهَا) كَانْتِثَارِ الْكَوَاكِبِ، وَالرَّعْدِ، وَالْبَرْقِ وَشِدَّةِ الرِّيَاحِ