، وَالتَّشَبُّثِ بِأَذْيَالِ الْفَلَاسِفَةِ (وَ) مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ مِنْ (عِلْمِ النُّجُومِ) كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ (أَمَّا الْأَوَّلُ) فَقَدْ قَالَ (فِي حَقِّهِ) فِي الْخُلَاصَةِ (تَعَلُّمُ عِلْمِ الْكَلَامِ، وَالنَّظَرِ فِيهِ) أَيْ التَّعَمُّقِ بِالتَّأَمُّلِ فِيهِ (وَالْمُنَاظَرَةِ) أَيْ الْمُجَادَلَةِ لِإِظْهَارِ الصَّوَابِ (وَرَاءَ قَدْرِ الْحَاجَةِ) مِنْ حَيْثُ تَصْحِيحُ الِاعْتِقَادِ وَرَدُّ شُبْهَةِ الْخَصْمِ (مَنْهِيٌّ عَنْهُ) يَشْكُلُ بِمَا فِي الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ أَنَّ النَّظَرَ أَيْ الْفِكْرَ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَاجِبٌ شَرْعًا وَبِمَا فِي شَرْحِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ} [الروم: ٥٠] {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [يونس: ١٠١]- وَأَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ وَاجِبٌ وَمُطْلَقٌ وَمُتَوَقِّفٌ عَلَى النَّظَرِ وَمَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ وَاجِبٌ.
ثُمَّ قَالَ الْمُرَادُ مِنْ الْمَعْرِفَةِ التَّصْدِيقُ بِوُجُودِهِ وَصِفَاتِهِ تَعَالَى الْكَمَالِيَّةِ، وَالثُّبُوتِيَّةِ، وَالسَّلْبِيَّةِ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ الْبَشَرِيَّةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ قَدْرَ الطَّاقَةِ لَا يُحَدُّ بِقَدْرِ حَاجَةٍ بَلْ يَقْتَضِي اسْتِيعَابَ الْكُلِّ.
(وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ) (وَدَفْعُ الْخَصْمِ) أَيْ خَصْمِ أَهْلِ السُّنَّةِ كَعَامَّةِ أَهْلِ الْهَوَى، وَالْفَلَاسِفَةِ (وَإِثْبَاتُ الْمَذْهَبِ الْحَقِّ) (يَحْتَاجُ إلَيْهِ) سَوَاءٌ كَانَ الْخَصْمُ مَوْجُودًا بِالْفِعْلِ أَوْ لَا لِاحْتِمَالِ ظُهُورِهِ بَغْتَةً كَأَنَّ هَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ الْخُلَاصَةِ قَدْرَ الْحَاجَةِ فَقَدْرُ الْحَاجَةِ بِدَفْعِ الْخَصْمِ وَإِثْبَاتِ الْمَذْهَبِ (والتتارخانية) وَعِبَارَتُهَا.
(وَفِي النَّوَازِلِ قَالَ أَبُو نَصْرٍ: بَلَغَنِي أَنَّ حَمَّادَ بْنَ أَبِي حَنِيفَةَ) رَحِمَهُمَا اللَّهُ (كَانَ يَتَكَلَّمُ) بِالْمُنَاظَرَةِ، وَالْمُجَادَلَةِ (فِي عِلْمِ الْكَلَامِ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ) أَبُوهُ (أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ) عَلَى طَرِيقِ الْعَرْضِ، وَالِاسْتِفْسَارِ لَا عَلَى طَرِيقِ الرَّدِّ، وَالْمُنَاقَشَةِ (قَدْ رَأَيْتُك تَتَكَلَّمُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ) أَيْ فِي الْمُنَاظَرَةِ فِي الْكَلَامِ وَإِلَّا فَلَا تَحْسُنُ الْمُقَابَلَةُ (فَمَا بَالَك تَنْهَانِي عَنْهُ) يَعْنِي إنَّمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّا قَدْ رَأَيْنَاك تَتَكَلَّمُ وَإِنَّ شَأْنَ مِثْلِنَا الِاقْتِدَاءُ بِك وَأَنْتَ تَمْنَعُنَا فَمَا وَجْهُ مَنْعِك أَوْ كَيْفَ تَمْنَعُنَا، وَأَنْتَ تَفْعَلُ ذَلِكَ.
(قَالَ لَهُ يَا بُنَيَّ) تَصْغِيرُ الِابْنِ لِلِاسْتِشْفَاقِ (كُنَّا نَتَكَلَّمُ) أَيْ بِالْمُنَاظَرَةِ كَمَا عَرَفَتْ (وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا) مَعَ مَنْ نَاظَرَنَا مَعَهُ عَلَى غَايَةِ التَّحَفُّظِ وَنِهَايَةِ التَّحَرُّزِ حَتَّى (كَأَنَّ الطَّيْرَ عَلَى رَأْسِنَا) قِيلَ مَثَلٌ لِكَمَالِ التَّأَنِّي فِي الْأُمُورِ، وَالتَّدَبُّرِ فِيهَا لِئَلَّا يَقَعَ فِي الْهَلَكَةِ وَشَيْءٍ مِنْ خَطَرِهِ كَقَصْدِ تَغْلِيطِ الْخَصْمِ وَتَخْجِيلِهِ، وَالتَّفَوُّقِ عَلَيْهِ وَإِيقَاعِ الزَّلَّةِ عَلَيْهِ (مَخَافَةَ أَنْ نَزِلَّ) مِنْ الزَّلَلِ أَيْ نَقَعَ فِي الزَّلَلِ، وَالْخَطَأِ لِعِظَمِ خَطَئِهِ وَهُوَ الْكُفْرُ (وَأَنْتُمْ تَتَكَلَّمُونَ الْيَوْمَ وَكُلُّ وَاحِدٍ) مِنْكُمْ (يُرِيدُ أَنْ يَزِلَّ صَاحِبُهُ) لِيَغْلِبَ عَلَيْهِ بِالْحُجَّةِ (وَإِذَا أَرَادَ) أَحَدُكُمْ (أَنْ يَزِلَّ صَاحِبُهُ فَقَدْ أَرَادَ أَنْ يَكْفُرَ) مِنْ التَّكْفِيرِ (صَاحِبُهُ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَتْ الْمُنَاظَرَةُ فِي أُصُولِ الْكَلَامِ وَأُمَّهَاتِهِ وَإِلَّا فَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْخَوَاصِّ، وَالْفَضَائِلِ، وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النِّزَاعُ، وَالْغَلَبَةُ إلَى نَحْوِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْرٍ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْخَطَأَ فِي الْعَقَائِدِ لَيْسَ كُلُّهُ كُفْرًا فَإِزْلَالُ الْخَصْمِ فِي هَذَا الْجِنْسِ لَيْسَ بِكُفْرٍ لِعَدَمِ الرِّضَا بِالْكُفْرِ (وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُكَفِّرَ صَاحِبَهُ فَقَدْ كَفَرَ قَبْلَ أَنْ يَكْفُرَ صَاحِبُهُ) لِرِضَاهُ بِكُفْرِهِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْإِرَادَةَ لَا تَسْتَلْزِمُ الرِّضَا عِنْدَنَا وَجَعَلَ عِلَّةَ الْكُفْرِ شَيْئًا حَاصِلًا فِي الْإِرَادَةِ غَيْرَ الرِّضَا بَعِيدٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذِهِ الْإِرَادَةُ غَيْرُ مُنْفَكَّةٍ عَنْ الرِّضَا لَكِنْ لَوْ كَانَ الْخَصْمُ مِنْ أَهْلِ الْهَوَى سِيَّمَا مِمَّنْ وَصَلَ هَوَاهُ إلَى الْكُفْرِ وَظَهَرَ تَعَنُّتُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ إزْلَالَهُ لَيْسَ بِكُفْرٍ بَلْ إعَانَةَ دِينٍ وَغَيْرَةً بَلْ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْمُقَدِّمَاتِ السَّفْسَطِيَّةِ، وَالْمَبَادِئِ الشُّعَبِيَّةِ عِنْدَ عَدَمِ إلْزَامِهِ بِالْأَدِلَّةِ الْيَقِينِيَّةِ، وَالْجَدَلِيَّةِ بَلْ يَجِبُ ذَلِكَ عِنْدَ تَعَيُّنِهِ فَتَأَمَّلْ.
ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ حَضْرَةِ الْإِمَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute