إيجَادِهِ فِي الْعِبَادِ بِقُدْرَتِهِ الْمُسْتَقِلَّةِ كَسَائِرِ الْأَفْعَالِ الْإِيجَابِيَّةِ الْغَيْرِ الِاخْتِيَارِيَّةِ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ فَإِنَّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ بِمَعِيَّةِ إرَادَةِ الْعِبَادِ مَعَ إرَادَتِهِ - تَعَالَى، وَعَدَمِ تَوْسِيطِهِ بَلْ بِإِيجَادِهِ - تَعَالَى - فِي الْعَبْدِ بِلَا مَدْخَلِيَّةِ إرَادَةِ الْعَبْدِ فَيَكُونُ جَبْرًا مَحْضًا وَقَدْ عَرَفْت التَّفْصِيلَ فِي الْمَبْحَثِ الِاعْتِقَادِيِّ سَابِقًا فَلَا تَتَجَاسَرْ عَلَى الْإِشْكَالِ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ شُكْرُ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِعَبْدٍ مِثْلِهِ كَمَا يَشْكُرُهُ - تَعَالَى، وَهُوَ مَذْهَبُ الِاعْتِزَالِ وَأَيْضًا يَلْزَمُ احْتِيَاجُهُ - تَعَالَى - فِي إيجَادِ فِعْلِ الْعَبْدِ إلَى إرَادَةِ الْعَبْدِ، وَهُوَ نَقْصٌ وَاجِبُ تَنْزِيهِهِ وَأَيْضًا فِيهِ حُسْنُ الْخِتَامِ؛ لِأَنَّ إيذَانَ السَّامِعِ بِانْتِهَاءِ الْكَلَامِ حَتَّى لَا يَبْقَى مَعَهُ لِلنَّفْسِ تَشَوُّفٌ إلَى مَا يُذْكَرُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ بَيْنَ تَحْمِيدٍ وَدُعَاءٍ، وَكَذَا اقْتِبَاسُهُ بِقَوْلِهِ {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران: ٨] عَمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ هَذَا الْكِتَابُ مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ الْحَقَّةِ وَحَقَائِقِ التَّقْوَى وَفُرُوعَاتِهَا كَالْأَخْلَاقِ وَغَيْرِهَا كَمَا اقْتَضَاهُ الْمَقَامُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُمَّ إلَى جَمِيعِ مَا وَفَّقَهُ - تَعَالَى - مِنْ الِاعْتِقَادِيَّاتِ وَالْعَمَلِيَّاتِ وَالْأَخْلَاقِ وَسَائِرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِعِلْمِ تَصْفِيَةِ الْبَاطِنِ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَلْبُ ابْنِ آدَمَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ إنْ شَاءَ أَقَامَهُ عَلَى الْحَقِّ وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ عَنْهُ» وَقِيلَ: لَا تُبْلِنَا بِبَلَايَا تَزِيغُ فِيهَا قُلُوبُنَا {بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: ٨] إلَى الْحَقِّ كَالتَّصْنِيفِ أَوْ الْعُمُومِ، وَقِيلَ: لَفْظُ إذْ بِمَعْنَى إنْ {وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} [آل عمران: ٨] تُقَرِّبُنَا إلَيْك وَنَفُوزُ بِهَا عِنْدَك أَوْ تَوْفِيقًا لِلثَّبَاتِ عَلَى الْحَقِّ أَوْ مَغْفِرَةً لِلذُّنُوبِ كَمَا فِي الْبَيْضَاوِيِّ {إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: ٨] مُبَالِغٌ فِي الْعَطَاءِ بِلَا عِوَضٍ وَلَا غَرَضٍ أَوْ رَحْمَةٌ عَظِيمَةٌ كَحُسْنِ الْخِتَامِ لَا سِيَّمَا بِرُتْبَةِ الشَّهَادَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى إلْحَاقِ الرِّفْقَةِ الْعَلِيَّةِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ - {مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: ٦٩]- وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِحُسْنِ الْخِتَامِ، وَهُوَ غَايَةُ أَمَانِي الْعَارِفِينَ وَنِهَايَةُ قُصْوَى مَقَاصِدِ الْعَابِدِينَ، وَأَسْنَى مَرَاصِدِ الْعُبَّادِ الْمُتَوَرِّعِينَ وَأَعْلَى مَعَالِمِ الزَّاهِدِينَ الْمُتَّقِينَ، وَنَتِيجَةُ إنْزَالِ الْكُتُبِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَخُلَاصَةُ ثَمَرَةِ إرْسَالِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ فَلْنَسْأَلْ اللَّهَ - تَعَالَى - مُوجِبَاتِ رَحْمَتِهِ وَلْنَفْدِ أَجْسَامَنَا وَأَرْوَاحَنَا فِي تَحَمُّلِ مِحَنِهَا وَتَجَشُّمِ مَشَاقِّهَا وَتَذَوُّقِ أَتْعَابِهَا وَكُلُفَاتِهَا تَضَرُّعًا إلَى اللَّهِ - تَعَالَى بِنَحْوِ دُعَاءِ حَبِيبِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُمَّ أَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا وَأَجِرْنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ اللَّهُمَّ اُحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ وَاسْتَعْمِلْنَا بِسُنَّتِهِ وَتَوَفَّنَا عَلَى مِلَّتِهِ وَاجْعَلْنَا فِي حِزْبِهِ اللَّهُمَّ وَاجْمَعْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ كَمَا آمَنَّا بِهِ وَلَمْ نَرَهُ وَلَا تُفَرِّقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ حَتَّى تُدْخِلَنَا مُدْخَلَهُ وَتَجْعَلَنَا مِنْ رُفَقَائِهِ - {مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: ٦٩]- (اللَّهُمَّ صَلِّ) وَسَلِّمْ (عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ) لِنَحْوِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَم فَمَنْ سِوَاهُ إلَّا تَحْتَ لِوَائِي» ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «أَنَا قَائِدُ الْمُرْسَلِينَ وَلَا فَخْرَ» الْحَدِيثَيْنِ، وَفِي آخَرَ «أَنَا أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا» ، وَفِي آخَرَ «آدَم وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي وَلَا فَخْرَ» وَالتَّفْصِيلُ فِيمَا سَبَقَ (وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى اسْتِحْبَابِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خِتَامِ كُلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ كَمَا فِي بِدَايَتِهِ وَلَعَلَّك سَمِعْت ذَلِكَ فِي الْبِدَايَةِ تَفْصِيلًا قِيلَ مِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ وَصْفَيْ الْآلِيَّةِ وَالصَّحْبِيَّةِ كَعَلِيٍّ وَالْحَسَنَيْنِ أَوْ انْفَرَدَ بِالصَّحْبِيَّةِ فَقَطْ كَسَائِرِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَوْ بِالْآلِيَّةِ كَأَشْرَافِ الزَّمَانِ، وَقَدْ عَرَفْت قَبْلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ إمَّا مِنْ جَانِبِ الْأَبِ فَقَطْ أَوْ هُوَ، وَمِنْ الْأُمِّ مُطْلَقًا بَعْدَ الِاتِّفَاقِ فِي شَرَفِ الْأَوْلَادِيَّةِ فِي الْمُطْلَقِ، وَأَيْضًا فِي الْجَمْعِ إشَارَةٌ إلَى اسْتِحْبابِيَّتِه وَأَوْلَوِيَّتِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ آيَةُ - {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: ٥٦]-، وَفِيهِ إشَارَةٌ أَيْضًا إلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْآلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute