للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ» وَسُؤْرُ كُلِّ شَيْءٍ تَابِعٌ لِلَحْمِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ عَدَمَ التَّنَجُّسِ لَيْسَ إلَّا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ لِلْحَرَجِ الْمُشَارِ إلَيْهِ لَا فِي حَقِّ الْأَكْلِ «إنَّمَا هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ» الطَّائِفُ الْخَادِمُ الَّذِي يَخْدُمُك بِرِفْقٍ وَعِنَايَةٍ، وَالطَّوَافُ مِنْهُ يُجْمَعُ عَلَى طَوَّافِينَ شَبَّهْتهَا بِالْخَادِمِ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى مَوْلَاهُ وَيَدُورُ حَوْلَهُ ثُمَّ هَذَا إشَارَةٌ إلَى عِلَّةِ عَدَمِ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّ فِي الِاحْتِرَازِ عَمَّا كَثُرَ طَوَافُهُ حَرَجًا؛ إذْ الْعُسْرُ وَعُمُومُ الْبَلْوَى مِنْ أَسْبَابِ التَّخْفِيفِ كَالسَّفَرِ وَالْإِكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ.

قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: السَّادِسُ مِنْ أَسْبَابِ التَّخْفِيفِ الْعُسْرُ وَعُمُومُ الْبَلْوَى كَالصَّلَاةِ مَعَ النَّجَاسَةِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا كَمَا فِي دُونِ رُبْعِ الثَّوْبِ مِنْ الْخَفِيفَةِ وَقَدْرِ الدِّرْهَمِ مِنْ الْغَلِيظَةِ وَنَجَاسَةِ الْمَعْذُورِ الَّتِي تُصِيبُ ثِيَابَهُ وَكَانَ كُلَّمَا غَسَلَهَا خَرَجَتْ وَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَالْبَقِّ فِي الثَّوْبِ وَإِنْ كَثُرَ بَوْلٌ تُرُشِّشَ عَلَى الثَّوْبِ قَدْرُ رُءُوسِ الْإِبَرِ وَطِينِ الشَّوَارِعِ وَأَثَرِ نَجَاسَةٍ عَسُرَ زَوَالُهُ

ثُمَّ قَالَ وَبَوْلِ سِنَّوْرٍ فِي غَيْرِ أَوَانِي الْمَاءِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ فِي الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَخَرْءِ حَمَامَةٍ وَعُصْفُورٍ وَإِنْ كَثُرَ وَخَرْءِ الطُّيُورِ الْمُحَرَّمَةِ فِي رِوَايَةٍ ثُمَّ قَالَ: وَغُبَارِ السَّرْجِينِ وَقَلِيلِ الدُّخَانِ النَّجَسِ وَالْعَفْوِ عَنْ الرِّيحِ وَالْفُسَاءِ إذَا أَصَابَ السَّرَاوِيلَ الْمُبْتَلَّةَ أَوْ الْمُقْعَدَةَ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَالْبَعْرِ إذَا وَقَعَ فِي الْمِحْلَبِ وَرُمِيَ قَبْلَ التَّفَتُّتِ وَمَا يُصِيبُ الثَّوْبَ مِنْ بُخَارَاتِ النَّجَاسَةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَمَا يُصِيبُهُ مِمَّا سَالَ مِنْ الْكَنِيفِ مَا لَمْ يَكُنْ أَكْبَرُ رَأْيِهِ النَّجَاسَةَ، وَتَمَامُهُ فِيهِ «وَإِنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ بِفَضْلِهَا» أَيْ بِفَضْلِ مَا شَرِبَتْ الْهِرَّةُ

اعْلَمْ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي سُؤْرِهَا فَمِنْهُمْ كَالطَّحَاوِيِّ مَالَ إلَى كَوْنِهِ مَكْرُوهًا تَحْرِيمًا نَظَرًا إلَى حُرْمَةِ لَحْمِهَا، وَمِنْهُمْ كَالْكَرْخِيِّ إلَى كَوْنِهِ تَنْزِيهًا نَظَرًا إلَى أَنَّهَا لَا تَتَحَامَى عَنْ النَّجَاسَةِ قَالُوا: وَهُوَ الْأَصَحُّ وَتَوَضُّؤُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فَوْرًا وَإِلَّا فَنَجَسٌ كَذَا، وَقِيلَ فَحَاصِلُهُ رَاجِعٌ إلَى الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ لَكِنْ الْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ سُؤْرَهَا عِنْدَهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ مُطْلَقًا لِلضَّرُورَةِ وَالْحَرَجِ وَعَلِمْت أَيْضًا أَنَّ حَصْرَ الِاخْتِلَافِ فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَقَدْ عَرَفْت الْمُفْتَى بِهِ عَنْ الْأَشْبَاهِ فِي حَقِّ بَوْلِهَا فَضْلًا عَنْ سُؤْرِهَا كَمَا صَرَّحَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْفَتْوَى عَلَى خِلَافِهِ فِي حَقِّ السُّؤْرِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، وَعَنْ الْحَدَّادِيِّ إذَا أَكَلَتْ الْهِرَّةُ مِنْ شَيْءٍ يُكْرَهُ أَنْ يُؤْكَلَ بَاقِيهِ وَعَنْ الْكَامِلِ الْكَرَاهَةُ فِي حَقِّ الْغَنِيِّ لَا الْفَقِيرِ لِلضَّرُورَةِ، وَأَنَّ كَرَاهَةَ سُؤْرِ الْهِرَّةِ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَمُحَمَّدٍ عِنْدَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ عِنْدَهُمَا أَيْضًا

(د عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ قَالَ) عَبْدُ اللَّهِ (أَيْ بُنَيَّ) يَا بُنَيَّ (سَلْ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَتَعَوَّذْ بِهِ مِنْ النَّارِ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ» يَتَجَاوَزُونَ حَدَّ الشَّرْعِ كَالْإِسْرَافِ فِي الْمَاءِ وَكَثْرَةِ ضَيَاعِهِ وَمُجَاوَزَةِ الْغُسْلِ عَنْ الثَّلَاثِ وَمُجَاوَزَةِ غَايَةِ الْأَعْضَاءِ فَوْقَ الْغُرَّةِ «وَالدُّعَاءِ» لِأَنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ فَسُؤَالُ الْقَصْرِ عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ اعْتِدَاءٌ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْمُعَيَّنَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي تَقْدِيرِ اللَّهِ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ الدَّاعِي فَحِينَئِذٍ يَكُون سَائِلًا مَا لَيْسَ لَهُ كَذَا قِيلَ هُنَا لَكِنْ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ لَعَلَّ الْوَجْهَ أَنَّ الْأَدَبَ كَوْنُ مَا يُدْعَى بِهِ مِمَّا يَلِيقُ بِحَالِ الدَّاعِي، وَإِلَّا كَرُتْبَةِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالصُّعُودِ إلَى السَّمَاءِ اعْتِدَاءٌ فِي الدُّعَاءِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَصْرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الدَّاعِي اعْتِدَاءً وَقِيلَ الِاعْتِدَاءُ فِي الدُّعَاءِ مَا يَكُونُ بِغَيْرِ مُبَاحٍ كَدُعَاءٍ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ لِكَافِرٍ أَوْ لِظَالِمٍ بِغَيْرِ الصَّلَاحِ وَالْإِسْلَامِ وَقِيلَ وَجْهُ الْمَنْعِ هُنَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْقَطْعِ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ فَفِيهِ أَيْضًا نَظَرٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>