للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِتَقْوِيمٍ إلَّا إنْ قِيلَ بِقَصْدِ الضَّرَرِ أَوْ أُوِّلَ اللَّعْنُ بِالْأَذَى. وَجْهُ اللَّعْنِ أَنَّهُمْ يَلْعَنُونَهُ وَيَذُمُّونَهُ.

(وَمِنْهَا الْجُلُوسُ مَكَانَ غَيْرِهِ وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ) الْأَوْفَقُ جَعْلُهُمَا آفَتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ (خ م عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمْ رَجُلًا مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ» لِسَبْقِ حَقِّهِ وَلِلْأَذَى وَالتَّحْقِيرِ وَالتَّشْبِيهِ بِالْجَبَابِرَةِ وَلِمُنَافَاةِ التَّوَاضُعِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي رَجُلٍ أَقَامَهُ مِنْ مَكَانِهِ ثُمَّ جَلَسَ مَكَانَهُ وَالْمَطْلُوبُ هُوَ الْمُطْلَقُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَةِ مَجْمُوعِهِمَا حُرْمَةُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِجَوَازِ كَوْنِ التَّأْثِيرِ فِي الْمَجْمُوعِ فَيَنْدَفِعُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ حَاصِلٌ وَلَوْ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ «وَلَكِنْ» عِنْدَ مَجِيءِ أَحَدٍ «تَوَسَّعُوا» يَا أَهْلَ الْمَجْلِسِ «وَتَفَسَّحُوا» يَعْنِي لَا يَجُوزُ لِلْجَائِي رَفْعُ وَاحِدٍ وَالْجُلُوسُ مَكَانَهُ بَلْ يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْمَجْلِسِ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ مَكَانًا بِلَا قِيَامِ أَحَدٍ (د عَنْهُ) أَيْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أَنَّهُ جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَ لَهُ رَجُلٌ آخَرُ مِنْ مَجْلِسِهِ فَذَهَبَ لِيَجْلِسَ فِيهِ فَنَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» هَذَا النَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى كَوْنِ قِيَامِ ذَلِكَ الرَّجُلِ لِأَجْلِ خَوْفِهِ أَوْ لِتَرْكِهِ مَجْلِسَ الْعِلْمِ أَوْ الْحِكْمَةِ، وَأَمَّا الْقِيَامُ لِلْغَيْرِ لِلتَّعْظِيمِ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ كَالْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاء فَيَجُوز وزُ إلَّا إنْ أَمْرَ بِالْقِيَامِ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ وَالْمَحَلِّ فَعَلَى الْجَالِسِ حِينَئِذٍ الْقِيَامُ قِيلَ وَأَمَّا مَا جَاءَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصًا فَقُمْنَا لَهُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَقُومُوا كَمَا يَقُومُ الْأَعَاجِمُ يُعَظِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَكْرَهُ الْقِيَامَ» فَلَعَلَّهُ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى تَرْكِ الْأَوْلَى لِئَلَّا يَتَمَكَّنَ فِي النُّفُوسِ حُبُّ الْجَاهِ وَالْمُفَاخَرَةِ وَأُيِّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِ زَيْنِ الْعَرَبِ فِي حَدِيثٍ «لَا تَقُومُوا كَمَا يَقُومُ الْأَعَاجِمُ يُعَظِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» إنْ كَانَ تَعْظِيمُهُمْ لِلدُّنْيَا كَالْمَالِ وَالْجَاهِ، وَإِنْ لِلْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ فَحَسَنٌ وَبِقَوْلِ الْمُبَارِقِ فِي حَدِيثِ «قُومُوا إلَى سَيِّدِكُمْ» فَيَدُلُّ أَنَّ الْقِيَامَ جَائِزٌ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهُ كَالْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ كَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَامَ لِعِكْرِمَةَ وَلِعَدِيٍّ» ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ عَلَى تَأْلِيفِهِمَا عَلَى الْإِسْلَامِ لِكَوْنِهِمَا سَيِّدَيْ الْقَبِيلَتَيْنِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ الْقِيَامُ إنْ لِلْإِعْظَامِ فَمَكْرُوهٌ، وَإِنْ لِلْإِكْرَامِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ انْتَهَى.

لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ هُوَ عَلَى طَرِيقِ الْجَوَابِ عَنْ سُؤَالٍ وَارِدٍ عَلَى الْحَدِيثِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا مَنْشَأَ لَهُ فِيهِ وَفِي الْمُنَاوِيِّ عِنْدَ حَدِيثِ " قُومُوا " وَفِيهِ نَدْبُ إكْرَامِ أَهْلِ الْفَضْلِ مِنْ عِلْمٍ أَوْ صَلَاحٍ أَوْ شَرَفٍ بِالْقِيَامِ لَهُمْ إذَا أَقْبَلُوا وَالتَّنْبِيهُ عَلَى شَرَفِ ذَوِي الشَّرَفِ وَالتَّعْرِيفُ بِأَقْدَارِهِمْ وَتَنْزِيلُهُمْ مَنَازِلَهُمْ وَقَدْ قَامَ الْمُصْطَفَى لِعِكْرِمَةَ لِكَوْنِهِ مِنْ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ وَلِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ لِكَوْنِهِ مِنْ رُؤَسَاءِ بَنِي طيئ يَتَأَلَّفُهُمَا بِهِ وَمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ إنَّمَا هُوَ فِي الْقِيَامِ لِلْإِعْظَامِ كَمَا هُوَ دَأْبُ الْأَعَاجِمِ لَا لِلْإِكْرَامِ كَمَا كَانَ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ انْتَهَى.

وَاخْتَارَ الْجَوَازَ أَيْضًا الشُّرُنْبُلَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِسَالَتِهِ الْخَاصَّةِ (م عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ» لِيَعُودَ «ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» فَإِذَا وَجَدَ فِيهِ قَاعِدًا فَلَهُ أَنْ يُقِيمَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْطِلْ اخْتِصَاصَهُ، وَعَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ تَخْصِيصُهُ بِالْمَسْجِدِ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْمَنْقُولِ عَنْ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ التَّعْمِيمُ لِلْمَسْجِدِ وَلِغَيْرِهِ لَكِنْ خُصّ بِمَا جَلَسَ لِلصَّلَاةِ، وَشَرَطَ كَوْنَ الْمُعَاوَدَةِ غَيْرَ طَوِيلَةٍ فِي زَمَانٍ يَسِيرٍ وَعَلَى الْقَاعِدِ إطَاعَتُهُ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا أَوَّلُهُمَا أَصَحُّهُمَا، وَمَنْ أَلِفَ مِنْ مَسْجِدٍ مَحَلًّا لِيُفْتِيَ فِيهِ أَوْ يَقْرَأَ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَ مَنْ قَعَدَ فِيهِ وَمِثْلُهُ مَنْ سَبَقَ إلَى مَحَلٍّ مِنْ الشَّارِعِ وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ لِمُعَامَلَةٍ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ إذْنِ الْإِمَامِ كَذَا فِي الْفَيْضِ.

أَقُولُ وَكَذَا الْمُنَاوَبَةُ فِي الْمِيَاهِ وَالرَّحَى وَالْفُلْكِ وَالرِّبَاطَاتِ وَنَحْوِهَا (د «عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ كُنَّا إذَا أَتَيْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَسَ أَحَدُنَا حَيْثُ يَنْتَهِي»

<<  <  ج: ص:  >  >>