الدَّنَانِيرِ الْمُصَالَحِ بِهَا بَعْضُهُ فِي مُقَابَلَةِ وَاجِبِهَا مِنْ الدِّرْهَمِ وَهُوَ صَرْفٌ وَبَعْضُهُ مَعَ بَقِيَّةِ الدَّنَانِيرِ الْمُصَالَحِ بِهَا فِي مُقَابَلَةِ الْعُرُوضِ ضِ. قَالَ: " وَهُوَ بَيْعٌ فَاجْتَمَعَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ فِي دِينَارٍ وَاحِدٍ وَهُوَ جَائِزٌ ". وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ فِي حَظِّهَا صَرْفُ دِينَارٍ فَأَكْثَرُ لَمْ يَجُزْ. وَجْهُ مَنْعِهِ أَنَّهُ كَانَ فِي حَظِّهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ صَرْفُ دِينَارٍ فَقَطْ، كَانَ دِينَارٌ صَرْفًا بِوَاجِبِهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَبَاقِي الدَّنَانِيرِ فِي مُقَابَلَةٍ. قَالَ: " وَهُوَ بَيْعٌ فَلَمْ يَجْتَمِعَا فِي دِينَارٍ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ وَاجِبُهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ صَرْفُ دِينَارٍ وَنِصْفٍ مَثَلًا فَإِنَّ النِّصْفَ الْبَاقِيَ مِنْ الدِّينَارِ وَبَاقِي الدَّنَانِيرِ فِي مُقَابَلَةِ الْعُرُوضِ فَلَمْ يَجْتَمِعَا فِي دِينَارٍ وَاحِدٍ.
وَكَذَا إنْ كَانَ وَاجِبُهَا صَرْفَ دِينَارَيْنِ فَأَكْثَرَ " (ثُمَّ قَالَ مِنْ الْمُدَوَّنَة) : " وَإِذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ مِنْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ عَلَى دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ نَقْدًا مِنْ عِنْدِ الْوَلَدِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَيَوَانًا أَوْ عُرُوضًا مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ طَعَامًا مِنْ قَرْضٍ لَا مِنْ سَلَمٍ فَصَالَحَهَا الْوَلَدُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ عَجَّلَهَا لَهَا مِنْ عِنْدِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَ الْغُرَمَاءُ حُضُورًا مُقِرِّينَ وَوَصَفَ ذَلِكَ كُلَّهُ " اهـ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ عَلَى دَنَانِيرَ) . وَجْهُ مَنْعِهِ أَنَّهُ اشْتَرَى دَنَانِيرَ نَقْدًا بِدَنَانِيرَ إلَى أَجَلٍ أَوْ دَرَاهِمَ نَقْدًا بِدَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ، وَقَوْلُهُ: " وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَيَوَانًا أَوْ عُرُوضًا " إلَى قَوْلِهِ: " فَذَلِكَ جَائِزٌ ". وَجْهُ جَوَازِهِ أَنَّهُ اشْتَرَى دَيْنًا مِنْ عُرُوضٍ، أَوْ طَعَامٍ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ بِدَنَانِيرَ، أَوْ دَرَاهِمَ مُعَجَّلَةٍ وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ إلَّا إنْ كَانَ الطَّعَام مِنْ بَيْع، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. فَلِذَلِكَ قَالَ: " مِنْ قَرْضٍ لَا مِنْ سَلَمٍ "، وَكَذَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِهِ حُضُورُ الْغُرَمَاءِ، وَإِقْرَارُهُمْ وَصْف الْمَبِيعِ عَلَى قَاعِدَةِ بَيْعِ الدَّيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.:
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
وَإِنْ يَفُتْ مَا الصُّلْحُ فِيهِ يُطْلَبُ ... لَمْ يَجُزْ إلَّا مَعَ قَبْضٍ يَجِبُ
يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ غَصَبَهُ، أَوْ سَرَقَ لَهُ ثَوْبًا، أَوْ عَبْدًا، أَوْ دَابَّةً، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَفَاتَ ذَلِكَ بِيَدِ الْغَاصِبِ أَوْ السَّارِقِ بِمَوْتٍ أَوْ تَغَيُّرٍ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهُ إلَّا بِمُعَجَّلٍ لِأَنَّهُ بِنَفْسِ الْفَوَاتِ وَجَبَتْ الْقِيمَةُ فَلَا تُفْسَخُ فِي مُؤَخَّرٍ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَائِمًا لَمْ يَفُتْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الصُّلْحُ بِمُعَجَّلٍ وَبِمُؤَجَّلٍ؛ لِأَنَّهُ كَالْبَيْعِ وَهُوَ يَجُوزُ بِالْمُؤَجَّلِ وَالْمُعَجَّلِ.
(قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : " وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ أَنَّهُ غَصَبَهُ ثَوْبًا أَوْ عَبْدًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالْعَبْدُ وَالثَّوْبُ قَائِمًا فَيَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَهُ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ بِعَرْضٍ مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ وَيُؤَخِّرَ ذَلِكَ وَلَا يَتَعَجَّلَهُ وَهُوَ كَالْبَيْعِ سَوَاءٌ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى فِيهِ فَائِتًا لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ إلَّا بِمَا يَتَعَجَّلُ قَبْضُهُ مَكَانَهُ؛ لِأَنَّهُ قِيمَةُ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ أَوْ مِثْلُهُ، قَدْ صَارَ دَيْنًا عَلَى الْغَاصِبِ فَلَا يُقْبَضُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا مَا كَانَ يَتَعَجَّلُ قَبْضُهُ إلَّا أَنْ يُصَالِحَ عَنْ ذَلِكَ بِمِثْلِ قِيمَةِ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ دَرَاهِمَ يُؤَخِّرُهُ فَيَجُوزُ ذَلِكَ، وَلَا يُصَالِحُهُ عَنْ ذَلِكَ بِدَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ الْمُسْتَهْلَكَةَ إنَّمَا تُقَوَّمُ بِالْوَرِقِ وَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِيمَا فَاتَ مِنْهَا حَتَّى تُعْرَفَ قِيمَةُ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ الْفَائِتِ، وَيَجُوزُ إذَا كَانَ قَائِمًا وَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ قِيمَتُهُ. وَإِذَا طُلِبَ الصُّلْحُ فِي شَيْءٍ فَاتَ مِنْ دَابَّةٍ أَوْ عَرْضٍ - يُرِيدُ الشَّيْخُ بِمِثْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ النَّقْدِ الْجَارِي فِي الْبَلَدِ الَّذِي يُطْلَبُ فِيهِ الصُّلْحُ - فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا مَعَ الْقَبْضِ لِلشَّيْءِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الصُّلْحُ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ " اهـ. مِنْ الشَّارِحِ، ثُمَّ قَالَ:
وَجَائِزٌ تَحَلُّلٌ فِيمَا اُدُّعِيَ ... وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لِلْمُدَّعِي
يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ التَّحَلُّلُ مِنْ الدَّعْوَى الَّتِي لَمْ تَقُمْ عَلَيْهَا بَيِّنَةٌ لِلْمُدَّعِي، وَهَذَا فِي الدَّعْوَى الْمَجْهُولَةِ لَهُمَا مَعًا وَأَحْرَى الْمَعْلُومَةُ لَهُمَا. وَأَمَّا الْمَعْلُومَةُ لِوَاحِدٍ الْمَجْهُولَةُ لِآخَرَ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِيهَا. وَبَقِيَ هَذَا الْقَيْدُ عَلَى النَّاظِمِ وَمَعْنَى التَّحَلُّلِ أَنَّهُ يُصَالِحُهُ بِشَيْءٍ وَيَجْعَلُهُ فِي حِلٍّ.
(قَالَ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْمِعْيَارِ) : " إنْ صَالَحَ رَجُلٌ رَجُلًا فِي حَقٍّ ادَّعَاهُ عَلَيْهِ فِي دَارِهِ فَإِنْ عَرَفَاهُ جَمِيعًا أَوْ جَهِلَاهُ جَمِيعًا فَذَلِكَ جَائِزٌ. وَإِنْ عَرَفَهُ أَحَدُهُمَا وَجَهِلَهُ الْآخَرُ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ كَالْبَيْعِ عِنْدَ مَالِكٍ (وَفِي الْمُقَرَّبِ) قُلْت: فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَرَاهِمُ ثُمَّ نَسِيَا جَمِيعًا عَدَدَهَا كَيْفَ يَصْنَعَانِ؟ قَالَ: يَصْطَلِحَانِ عَلَى مَا شَاءَا مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ وَرِقٍ، أَوْ عَرْضٍ وَيُحَلِّلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَلَا يُؤَخِّرُهُ بِمَا صَالَحَهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute