قَالَ تَعَالَى {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠] وَهَذَا يُرَادُ بِهَا الصَّدَقَةُ عَنْ الْبَدَنِ وَالنَّفْسِ وَهِيَ بِضَمِّ الْفَاءِ: كَلِمَةٌ مُوَلَّدَةٌ وَقَدْ زَعْمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مِمَّا يَلْحَنُ فِيهِ الْعَامَّةُ وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ لِاسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ لَهَا قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(وَهِيَ صَدَقَةٌ تَجِبُ بِالْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ: طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ «فَرَضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ: صَاعًا مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «فَرَضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ: طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّهْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَدَعْوَى أَنَّ " فَرَضَ " بِمَعْنَى قَدَّرَ: مَرْدُودٌ بِأَنَّ كَلَامَ الرَّاوِي لَا يُحْمَلُ إلَّا عَلَى الْمَوْضُوعِ بِدَلِيلِ الْأَمْرِ بِهَا فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَذَهَبَ الْأَصَمُّ وَابْنُ عُلَيَّةَ وَجَمَاعَةٌ إلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَقَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: ١٤] إنَّهَا زَكَاةُ الْفِطْرِ رُدَّ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ " إنَّهَا تُطَهِّرُ مِنْ الشِّرْكِ " وَالسُّورَةُ مَكِّيَّةٌ وَلَمْ يَكُنْ بِهَا زَكَاةٌ وَلَا عِيدٌ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ فَرْضَهَا كَانَ مَعَ رَمَضَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الزَّكَاةِ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ ذَلِكَ.
(وَمَصْرِفُهَا) أَيْ: زَكَاةِ الْفِطْرِ (كَزَكَاةِ) الْمَالِ لِعُمُومِ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: ٦٠] .
(وَهِيَ وَاجِبَةٌ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَتُسَمَّى فَرْضًا) كَقَوْلِ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَأَيْضًا فَالْفَرْضُ: إنْ كَانَ بِمَعْنَى الْوَاجِبِ، فَهِيَ وَاجِبَةٌ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْمُتَأَكِّدِ فَهِيَ مُتَأَكِّدَةٌ (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُسْلِمِينَ (حُرٌّ، وَلَوْ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ خِلَافًا لِعَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَاللَّيْثِ فِي قَوْلِهِمْ " لَا تَلْزَمُ أَهْلَ الْبَوَادِي ".
(وَمُكَاتَبٌ) لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ فِي كَسْبِهِ، فَكَذَا فِطْرَتُهُ (ذَكَرٍ وَأُنْثَى كَبِيرٍ وَصَغِيرٍ) لِمَا سَبَقَ مِنْ الْخَبَرِ (وَلَوْ يَتِيمًا) فَتَجِبُ فِي مَالِهِ نَصَّ عَلَيْهِ، كَزَكَاةِ الْمَالِ (وَيُخْرَجُ عَنْهُ) أَيْ الْيَتِيمِ (مِنْ مَالِ وَلِيِّهِ) كَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute