وَتَمَكُّنُهُ مِنْ الْأَدَاءِ يَرْجِعُ إلَى الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَفَاءِ، إذْ مَنْ مَالُهُ غَائِبٌ أَوْ فِي الذِّمَّةِ وَنَحْوِهِ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الْوَفَاءِ وَلِذَلِكَ أَسْقَطَهُمَا الْأَكْثَرُ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يُفَسِّرْهُمَا (فَلَا يَلْزَمُ) رَبَّ الدَّيْنِ (أَنْ يَحْتَالَ عَلَى وَالِدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إحْضَارُهُ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ (وَلَا) يَلْزَمُ أَنْ يَحْتَالَ (عَلَى مَنْ هُوَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ) ؛ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إحْضَارِهِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَقِيَاسُهُ: الْحَوَالَةُ عَلَى ذِي سُلْطَانٍ لَا يُمْكِنهُ إحْضَارُهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ (وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحِيلَ) رَبَّ الدَّيْنِ (عَلَى أَبِيهِ) ؛ لِأَنَّ الْمُحِيلَ لَا يَمْلِكُ مُطَالَبَةَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَفَرْعُهُ كَذَلِكَ.
(وَمَتَى صَحَّتْ) الْحَوَالَةُ (فَرَضِيَا) أَيْ: الْمُحْتَالُ وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ (بِخَيْرٍ مِنْهُ) أَيْ: الدَّيْنِ (أَوْ بِدُونِهِ أَوْ) رَضِيَا بِ (تَعْجِيلِهِ) وَهُوَ مُؤَجَّلٌ (أَوْ) بِ (تَأْجِيلِهِ) وَهُوَ حَالٌّ (أَوْ) أَخْذِ (عِوَضِهِ؛ جَازَ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ فِي الْقَرْضِ، فَهُنَا أَوْلَى، لَكِنْ إنْ جَرَى بَيْنَ الْعِوَضَيْنِ رِبَا النَّسِيئَةِ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ الْمُحَالُ بِهِ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ، فَعَوَّضَهُ فِيهِ مَوْزُونًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، أَوْ كَانَ مَكِيلًا، فَعَوَّضَهُ عَنْهُ مَكِيلًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ اُشْتُرِطَ فِيهِ التَّقَابُضُ بِمَجْلِسِ التَّعْوِيضِ.
(وَإِنْ رَضِيَ) الْمُحْتَالُ بِالْحَوَالَةِ (وَاشْتَرَطَ) فِي الْمُحَالِ عَلَيْهِ (الْيَسَارَ) صَحَّ الِاشْتِرَاطُ لِحَدِيثِ «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» ؛ وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْعَقْدِ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ فَكَانَ كَشَرْطِ صِفَةٍ فِي الْمَبِيعِ فَإِنْ بَانَ مُعْسِرًا؛ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ (أَوْ لَمْ يَرْضَ) الْمُحْتَالُ بِالْحَوَالَةِ (فَبَانَ) الْمُحَالُ عَلَيْهِ (مُعْسِرًا فَلَهُ) أَيْ: الْمُحْتَالِ (الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ) وَلَا يُجْبَرُ عَلَى اتِّبَاعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَلْ عَلَى مَلِيءٍ.
(وَإِذَا أَحَالَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ) فَبَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا فَالْحَوَالَةُ بَاطِلَةٌ (أَوْ أَحَالَ الْبَائِعُ عَلَيْهِ) أَيْ: الْمُشْتَرِي (بِهِ) أَيْ: بِالثَّمَنِ (فَبَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا، كَظُهُورِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ حُرًّا) أَوْ مُسْتَحَقًّا (فَإِنْ كَانَ) ظُهُورُ الْبُطْلَانِ (بِبَيِّنَةٍ فَالْحَوَالَةُ بَاطِلَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ تَبَيَّنَّا أَنْ لَا ثَمَنَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَالْحَوَالَةُ فَرْعٌ عَلَى الثَّمَنِ فَإِذَنْ يَبْطُلُ الْفَرْعُ لِبُطْلَانِ أَصْلِهِ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى مَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فِي مَسْأَلَةِ حَوَالَتِهِ.
وَعَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ لَمَّا بَطُلَتْ؛ وَجَبَ بَقَاءُ الْحَقِّ عَلَى مَا كَانَ (وَإِنْ كَانَ) ظُهُورُ الْمَبِيعِ حُرًّا (بِاتِّفَاقِ الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ عَلَى حُرِّيَّتِهِ) أَيْ: الْعَبْدِ الْمَبِيعِ (مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ فَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْمُحْتَالُ فَكَذَلِكَ) أَيْ: بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ؛ لِاتِّفَاقِ الْكُلِّ عَلَى بُطْلَانِهَا (وَإِنْ كَذَّبَهُمَا) الْمُحْتَالُ (لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُمَا عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُمَا يُبْطِلَانِ حَقِّهِ (أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ ثُمَّ اعْتَرَفَ هُوَ وَبَائِعُهُ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُمَا عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute