الصَّحِيحَةُ فَمِنْهَا: مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَإِذَا أُحِيلَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ وَفِي لَفْظٍ مَنْ أُحِيلَ بِحَقِّهِ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَحْتَلْ» .
(وَهِيَ عَقْدُ إرْفَاقٍ) مُنْفَرِدٌ بِنَفْسِهِ لَيْسَ مُحَوَّلًا عَلَى غَيْرِهِ (لَا خِيَارَ فِيهِ وَلَيْسَتْ) الْحَوَالَةُ (بَيْعًا) ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَكَانَتْ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَلَمَا جَازَ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ وَلَجَازَتْ بِلَفْظِ الْبَيْع، وَبَيْنَ جِنْسَيْنِ كَالْبَيْعِ كُلِّهِ وَلِأَنَّ لَفْظَهَا يُشْعِرُ بِالتَّحَوُّلِ وَلَيْسَتْ أَيْضًا فِي مَعْنَى الْبَيْعِ؛ لِعَدَمِ الْعَيْنِ فِيهَا (بَلْ) الْحَوَالَةُ (تَنْقُلُ الْمَالَ) الْمُحَالَ بِهِ (مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ) لِمَا سَبَقَ، مِنْ أَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ التَّحَوُّلِ أَوْ التَّحْوِيلِ وَفِيهَا شَبَهٌ بِالْمُعَاوَضَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا دَيْنٌ بِدَيْنٍ وَشَبَهٌ بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْ حَيْثُ بَرَاءَةِ الْمُحِيلِ بِهَا، وَلِتَرَدُّدِهَا بَيْنَهُمَا أَلْحَقَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِالْمُعَاوَضَةِ، وَبَعْضُهُمْ بِالِاسْتِيفَاءِ.
وَتَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ (فَلَا يَمْلِكُ الْمُحْتَالُ عَلَى الْمَلِيءِ) الرُّجُوعَ عَلَى الْمُحِيلِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ انْتَقَلَ فَلَا يَعُودُ بَعْدَ انْتِقَالِهِ هَذَا إذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُهَا؛ لِأَنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنْ دَيْنٍ لَيْسَ فِيهَا قَبْضٌ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَلَا مِمَّنْ يَدْفَعُ عَنْهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ (وَلَا) يَمْلِكُ (الْمُحْتَالُ) وَلَوْ عَلَى غَيْرِ مَلِيءٍ (بِرِضَاهُ) بِالْحَوَالَةِ (إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ يَسَارَ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَجَهِلَهُ) أَيْ: يَسَارَهُ (أَوْ ظَنَّهُ مَلِيئًا) ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ (الرُّجُوعَ عَلَى الْمُحِيلِ بِحَالٍ أَيْ: سَوَاءٌ أَمْكَنَ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ) مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ (أَوْ تَعَذَّرَ) اسْتِيفَاؤُهُ (لِمَطْلٍ، أَوْ فَلَسٍ أَوْ مَوْتٍ وَكَذَا) لَوْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ (لِجُحُودٍ صَرَّحَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ) بِأَنْ جَحَدَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ الدَّيْنَ وَحَلَفَ، (وَلَعَلَّ الْمُرَادَ) بِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ مَعَ الْجُحُودِ (إذَا كَانَ الْمُحْتَالُ يَعْلَمُ الدَّيْنَ، أَوْ صَدَّقَ) الْمُحْتَالُ (الْمُحِيلَ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى أَنَّ دَيْنَهُ بِذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ الْجَاحِدِ (أَوْ ثَبَتَ) الدَّيْنُ (بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ مَاتَتْ وَنَحْوِهِ) بِأَنْ أَقَرَّ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ أَوَّلًا ثُمَّ أَنْكَرَ (أَمَّا إنْ ظَنَّهُ) أَيْ: ظَنَّ الْمُحْتَالُ الدَّيْنَ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ (فَجَحَدَ) الْمُحَالُ عَلَيْهِ الدَّيْنَ (وَلَمْ يُمْكِنْ إثْبَاتُهُ فَلَهُ) أَيْ: الْمُحْتَالِ (الرُّجُوعُ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْمُحِيلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ دَيْنِهِ عَلَيْهِ وَلَمْ تَتَحَقَّقْ بَرَاءَتُهُ مِنْهُ.
(وَتَصِحُّ) الْحَوَالَةُ (بِلَفْظِهَا) كَأَحَلْتُكَ بِدَيْنِك عَلَى فُلَانٍ (أَوْ مَعْنَاهَا الْخَاصِّ) كَأَتْبَعْتُكَ بِدَيْنِك عَلَى فُلَانٍ وَنَحْوِهِ،؛ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْمَقْصُودِ.
(وَلَا تَصِحُّ) الْحَوَالَةُ (إلَّا بِشُرُوطٍ) أَرْبَعَةٍ (أَحَدُهَا: أَنْ يُحِيلَ عَلَى دَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِمُسْتَقِرٍّ عُرْضَةٌ لِلسُّقُوطِ وَمُقْتَضَى الْحَوَالَةِ إلْزَامُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ مُطْلَقًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute