للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللَّهُ الْعُلَمَاءَ كَيْفَ كَانَ طَرِيقُهُمْ وَحِرْصُهُمْ عَلَى تَحْصِيلِ الْعُلُومِ مَعَ حُسْنِ النِّيَّةِ وَكَانَ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَلَاعِيُّ الْمُشْتَهِرُ بِالْحَوْفِيِّ لَهُ الْيَدُ الطُّولَى فِي هَذَا الْفَنِّ وَمَا أَلَّفَ فِي الْفَرَائِضِ مِثْلُهُ جَمْعًا وَتَحْصِيلًا وَعَمَلًا وَعِلْمًا وَقَدْ رَدَّ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى شَيْخِهِ فِي رَدِّهِ عَلَيْهِ وَبَحَثَ مَعَهُ حَيْثُ قَسَمَ الْفُرُوضَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ مُسَمَّاةٌ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: ١١] وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: ١٧٦] وَفِي قَوْلِهِ وَإِنْ كَانُوا إخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً الْآيَةَ وَمِنْهَا فَرْضٌ وَاحِدٌ مَحْدُودٌ غَيْرُ مُسَمًّى وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: ١١] فَلَمَّا جَعَلَ لَهَا الثُّلُثَ عُلِمَ أَنَّ الْبَاقِيَ لِلْأَبِ وَهُوَ الثُّلُثَانِ وَمِنْهَا سِتَّةُ فُرُوضٍ فَذَكَرَ الْفُرُوضَ السِّتَّةَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَا ذَكَرَهُ مَعَ حُسْنِهِ وَغَرَابَتِهِ فَفِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّهُ عَدَدُ الْفُرُوضِ الْمُسَمَّاةِ غَيْرِ الْمَحْدُودَةِ لِتَعَدُّدِ أَصْحَابِهَا وَجَعَلَهَا ثَلَاثَةً وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ اثْنَانِ لِأَنَّ الَّذِي لِلْأَوْلَادِ مِثْلُهُ لِلْإِخْوَةِ فَإِنْ كَانَ لِتَعَدُّدِ سَبَبِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ مِثْلُهُ فِي الْفُرُوضِ السِّتَّةِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَصْحَابًا مَا عَدَا الثُّمُنَ وَالتَّعَدُّدَ فِيهَا لِتَعَدُّدِ أَصْحَابِهَا بَاطِلٌ فَكَذَلِكَ هُنَا فَرَدَّ الشَّيْخُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ إنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَقِيقَةِ اثْنَانِ إلَخْ غَيْرُ لَازِمٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي اثْنَيْنِ بِجَعْلِ الْبِنْتَيْنِ وَالْإِخْوَةِ نَوْعًا وَاحِدًا إلَّا إذَا جَعَلَ مُوجِبَ التَّعَدُّدِ اخْتِلَافَ مَا يَسْتَحِقُّهُ كُلُّ نَوْعٍ مِنْهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُوجِبُهُ اخْتِصَاصُ نَوْعٍ مِنْهَا بِلَفْظِ قُرْآنٍ يَخُصُّهُ بِالتَّسْمِيَةِ وَالذِّكْرِ دُونَ إشَارَةٍ إلَى نِسْبَةِ الْقَدْرِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ مِنْ التَّرِكَةِ قَالَ فَتَأَمَّلْهُ قَالَ وَكَانَ يَمْشِي لَنَا النَّظَرُ فِي هَذَا الرَّدِّ بَعْدَ مُطَالَعَةِ شُرَّاحِ الْحَوفِيِّ مِنْ الْعُقْبَانِيِّ وَالسَّطِّيِّ وَبِالْجُمْلَةِ فَالشَّيْخ الْإِمَامُ الْعَلَامَةُ سَيِّدِي الْفَقِيهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ يَدٌ عَالِيَةٌ سَبَقَ بِهَا أَهْلَ السَّبْقِ فِي جِدُّهُ وَاجْتِهَادِهِ وَفَهْمِهِ وَتَحْصِيلِهِ وَقُوَّةِ فَهْمِهِ وَعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ وَلَمَّا جَرَتْ هَذِهِ الْعُلُومُ الْعَقْلِيَّةُ عَنْهُ وَعِنْدَهُ وَتَمَكَّنَتْ وَصَارَتْ مَلَكَةً لَهُ أَقْدَرُهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى كَشْفِ حَقَائِقِ دَقَائِقِ أَسْرَارِ الشَّرِيعَةِ وَمَلَكَ زِمَامَ الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ وَالنَّقْلِيَّةِ وَعَلَا فَخْرُهُ وَانْتَشَرَ فِي الْعَالَمِ ذِكْرُهُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى فِي خَوْضِ مِثْلِي الْقَاصِرِ فِي بَاعِهِ الْمُتَطَفِّلِ عَلَى شَرْحِ كَلَامِ أَحِبَّائِهِ فَهُوَ سُبْحَانَهُ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ فَنَطْلُبُ الْمَغْفِرَةَ لِي وَالرَّحْمَةَ مِنْهُ وَسِتْرَ عَيْبِي وَمَا خَفِيَ مِنْ غَيْبِي وَمِنْ تَصَنُّعِي وَقِلَّةِ عَمَلِي وَنَرْجُو مِنْهُ سُبْحَانَهُ الْعَفْوَ وَالْغُفْرَانَ بِخِدْمَةِ هَذَا السَّيِّدِ الْوَلِيِّ حَبِيبِ الرَّحْمَنِ وَنَرْغَبُ مِنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَسْتَوْهِبَ لَنَا مِنْ اللَّهِ الْجُودَ وَالْإِحْسَانَ وَقَدْ ظَهَرَتْ

<<  <   >  >>