للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِيهِ الْيَقِينُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} [محمد: ١٩] وَقَدْ عَلِمَ ذَلِكَ وَقَالَ تَعَالَى لِلنَّاسِ {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: ١٥٨] وَيُقَاسُ غَيْرُ الْوَحْدَانِيَّةِ عَلَيْهَا، وَقَالَ الْعَنْبَرِيُّ وَغَيْرُهُ يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهِ وَلَا يَجِبُ النَّظَرُ اكْتِفَاءً بِالْعَقْدِ الْجَازِمِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَكْتَفِي فِي الْإِيمَانِ مِنْ الْأَعْرَابِ وَلَيْسُوا أَهْلًا لِلنَّظَرِ بِالتَّلَفُّظِ بِكَلِمَتَيْ الشَّهَادَةِ الْمُنْبِئِ عَنْ الْعَقْدِ الْجَازِمِ، وَيُقَاسُ غَيْرُ الْإِيمَانِ عَلَيْهِ.

(وَقِيلَ النَّظَرُ فِيهِ حَرَامٌ) ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْوُقُوعِ فِي الشُّبَهِ وَالضَّلَالِ لِاخْتِلَافِ الْأَذْهَانِ وَالْأَنْظَارِ بِخِلَافِ التَّقْلِيدِ فَيَجِبُ بِأَنْ يَجْزِمَ الْمُكَلَّفُ عَقْدَهُ بِمَا يَأْتِي بِهِ الشَّرْعُ مِنْ الْعَقَائِدِ وَدَفَعَ الْأَوَّلُونَ دَلِيلَ الثَّانِي أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَعْرَابَ لَيْسُوا أَهْلًا لِلنَّظَرِ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ النَّظَرُ عَلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ كَمَا أَجَابَ الْأَعْرَابِيُّ الْأَصْمَعِيَّ عَنْ سُؤَالِهِ بِمَ عَرَفْت رَبَّك فَقَالَ: الْبَعْرَةُ تَدُلُّ عَلَى الْبَعِيرِ وَأَثَرُ الْأَقْدَامِ تَدُلُّ عَلَى الْمَسِيرِ فَسَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ وَأَرْضٌ ذَاتُ فِجَاجٍ

ــ

[حاشية العطار]

ثُبُوتِ الشَّرْعِ عَقْلِيٌّ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ إلَّا بِالشَّرْعِ لَزِمَ إفْحَامُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَمْ يَكُنْ لِلْبَعْثَةِ فَائِدَةٌ وَبُطْلَانُهُ ظَاهِرٌ وَوَجْهُ اللُّزُومِ أَنَّ النَّبِيَّ إذَا قَالَ لِلْمُكَلَّفِ اُنْظُرْ فِي مُعْجِزَتِي حَتَّى يَظْهَرَ لَك صِدْقُ دَعْوَايَ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ لَا أَنْظُرُ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَيَّ.

لِأَنَّ تَرْكَ غَيْرِ الْوَاجِبِ جَائِزٌ وَلَا يَجِبُ عَلَى مَا لَمْ يُثْبِتْ الشَّرْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا وُجُوبَ إلَّا بِالشَّرْعِ وَلَا يَثْبُتُ الشَّرْعُ مَا لَمْ أَنْظُرْ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ نَظَرِيٌّ لَا ضَرُورِيٌّ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ إذْ لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَقُولَ لَا أَنْظُرُ مَا لَمْ يَجِبْ عَقْلًا وَلَا يَجِبُ عَقْلًا مَا لَمْ أَنْظُرْ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ نَظَرِيٌّ يَفْتَقِرُ إلَى تَرْتِيبِ الْمُقَدِّمَاتِ وَتَحْقِيقِ أَنَّ النَّظَرَ يُفِيدُ الْعِلْمَ وَمَعْنَى كَوْنِهِ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ أَنَّ فِيهِ إلْجَاءَ الْخَصْمِ إلَى الِاعْتِرَافِ بِنَقِيضِ دَلِيلِهِ حَيْثُ دَلَّ عَلَى نَفْيِ مَا هُوَ الْحَقُّ عِنْدَهُ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِيهِ) أَيْ فِي أُصُولِ الدِّينِ الْيَقِينُ أَيْ وَلَا يَقِينَ مَعَ التَّقْلِيدِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ) مِنْ تَتِمَّةِ الدَّلِيلِ وَتَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ لِيُفِيدَ قَوْلَهُ وَاتَّبِعُوهُ أَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِالْعِلْمِ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ وَدَفْعٌ لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ كَوْنِ الْأَمْرِ مَصْرُوفًا عَنْ ظَاهِرِهِ وَهُوَ الْوُجُوبُ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ هَذَا الْوُجُوبُ وُجُوبُ أُصُولٍ فَيَكُونُ الْمُقَلِّدُ كَافِرًا أَوْ وُجُوبُ فُرُوعٍ فَيَكُونُ آثِمًا، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْمَعْرِفَةِ الْحَاصِلَةِ عَنْ تَقْلِيدٍ وَهِيَ جَزْمٌ بِلَا دَلِيلٍ فَالظَّانُّ وَالشَّاكُّ وَالْمُتَوَهِّمُ كَافِرٌ بِإِجْمَاعٍ كَمَا ذَكَرَهُ السَّنُوسِيُّ فِي الْوُسْطَى (قَوْلُهُ: وَيُقَاسُ غَيْرُ الْوَحْدَانِيَّةِ) أَيْ الَّتِي لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا الْأَمْرُ فِي {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} [محمد: ١٩] عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا الْأَمْرُ فَتَكُونُ مَأْمُورًا بِهَا أَيْضًا. (قَوْلُهُ: بِالتَّلَفُّظِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ إنَّمَا اكْتَفَى الشَّارِعُ بِكَلِمَتَيْ الشَّهَادَةِ لِأَجْلِ الدُّخُولِ فِي الْإِيمَانِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُمْ بَعْدَ إيمَانِهِمْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ النَّظَرُ (قَوْلُهُ:، وَيُقَاسُ غَيْرُ الْإِيمَانِ) أَيْ غَيْرُ الْإِيمَانِ بِمَضْمُونِ كَلِمَتَيْ الشَّهَادَةِ فَالْمَقِيسُ عَلَيْهِ هُوَ الْإِيمَانُ بِمَضْمُونِ كَلِمَتَيْ الشَّهَادَةِ، وَالْمَقِيسُ بَقِيَّةُ الْعَقَائِدِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ النَّظَرُ فِيهِ حَرَامٌ) مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ النَّظَرِ فِي أُصُولِ الدِّينِ، وَعَدَمُهُ النَّظَرُ فِي غَيْرِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَمَّا النَّظَرُ فِيهَا فَوَاجِبٌ إجْمَاعًا كَمَا ذَكَرَهُ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ اهـ زَكَرِيَّا.

قَالَ سم مَرْجِعُ الضَّمِيرِ فِي ذَكَرَهُ يَعُودُ لِقَوْلِهِ أَمَّا النَّظَرُ إلَخْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ كَلَامِ السَّعْدِ وَدَعْوَى الْإِجْمَاعِ مَمْنُوعَةٌ أَلَا تَرَى إلَى تَمْثِيلِ الشَّارِحِ لِمَحَلِّ الْخِلَافِ بِقَوْلِهِ وَوُجُودُ الْبَارِي إلَخْ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ مُطْلَقًا عَلَى أَنَّ السَّعْدَ فِي أَثْنَاءِ اسْتِدْلَالِهِ عَلَى الْوُجُوبِ قَالَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ جَوَازُ الِاكْتِفَاءِ بِالتَّقْلِيدِ فِي حَقِّ الْبَعْضِ فَلَا يُنَافِي وُجُوبَ الْمَعْرِفَةِ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ فِي الْجُمْلَةِ اهـ. وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ غَيْرُ قَاطِعٍ بِعُمُومِ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ اهـ. مُلَخَّصًا.

ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ أَيْضًا فِيمَا جَهِلَهُ كُفْرٌ كَصِفَاتِ السُّلُوبِ وَالصِّفَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ، أَمَّا صِفَاتُ الْمَعَانِي وَنَحْوُهَا مِمَّا لَا يَكْفُرُ مُسْكِرُهُ فَلَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْوُقُوعِ فِي الشَّبَهِ) إذْ الِاسْتِدْلَال بِفَتْحِ بَابِ الْجِدَالِ وَنِهَايَةِ إقْدَامِ الْعُقُولِ عِقَالٌ وَلِلَّهِ الْقَائِلُ

لَعَمْرِي لَقَدْ طُفْت الْمَعَاهِدَ كُلَّهَا ... وَسَرَّحْت طَرْفِي بَيْنَ تِلْكَ الْمَعَالِمِ

فَلَمْ أَرَ إلَّا وَاضِعًا كَفَّ حَائِرٍ ... عَلَى ذَقَنٍ أَوْ قَارِعًا سِنَّ نَادِمٍ

(قَوْلُهُ: كَمَا أَجَابَ الْأَعْرَابِيُّ) وَتَقُولُ الْعَامَّةُ إذَا رَأَتْ مَا يُعْجِبُهَا سُبْحَانَ الْخَالِقِ بَلْ الْأَوْلَادُ الصِّغَارُ الَّذِينَ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>