مَا يُخِلُّ بِالْفَهْمِ مِثَالُ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٢] فَقَالَ الْحَنَفِيُّ أَيْ مَا وَطْؤُهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ فَيَحْرُمُ عَلَى الشَّخْصِ مَزْنِيَّةُ أَبِيهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْ مَا عَقَدُوا عَلَيْهِ فَلَا تَحْرُمُ وَيَلْزَمُ الْأَوَّلَ الِاشْتِرَاكُ لِمَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ حَتَّى أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ لِغَيْرِهِ كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَيْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ نَحْوُ {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: ٣] وَيَلْزَمُ الثَّانِي التَّخْصِيصُ حَيْثُ قَالَ تَحِلُّ لِلرَّجُلِ مَنْ عَقَدَ عَلَيْهَا أَبُوهُ فَاسِدًا بِنَاءً عَلَى تَنَاوُلِ الْعَقْدِ لِلْفَاسِدِ كَالصَّحِيحِ.
وَقِيلَ لَا يَتَنَاوَلُهُ وَمِثَالُ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: ١٧٩] أَيْ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ الِانْكِفَافُ عَنْ الْقَتْلِ فَيَكُونُ الْخِطَابُ عَامًّا أَوْ فِي الْقِصَاصِ نَفْسِهِ حَيَاةٌ لِوَرَثَةِ الْقَتِيلِ الْمُقْتَصِّينَ بِدَفْعِ شَرِّ الْقَاتِلِ الَّذِي صَارَ عَدُوًّا لَهُمْ فَيَكُونُ الْخِطَابُ مُخْتَصًّا بِهِمْ وَمِثَالُ الثَّالِثِ قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] أَيْ أَهْلَهَا وَقِيلَ الْقَرْيَةُ حَقِيقَةٌ فِي الْأَهْلِ كَالْأَبْنِيَةِ الْمُجْتَمِعَةِ لِهَذِهِ الْآيَةِ وَغَيْرِهَا نَحْوُ {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ} [يونس: ٩٨] وَمِثَالُ الرَّابِعِ قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: ٤٣] أَيْ الْعِبَادَةَ الْمَخْصُوصَةَ فَقِيلَ هِيَ مَجَازٌ
ــ
[حاشية العطار]
قُلْت لِأَنَّ الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي التَّعَارُضِ هِيَ هَذِهِ الْعَشَرَةُ.
وَأَمَّا الْحَقِيقَةُ فَلَا يَقَعُ التَّعَارُضُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ خِلَافِهَا مِنْ الْمَجَازِ وَالنَّقْلِ إذْ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ أَصْلٍ وَغَيْرِ أَصْلٍ (قَوْلُهُ: مَا يُخِلُّ بِالْفَهْمِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْيَقِينِ لَا الظَّنِّ وَلَهُمْ خَمْسَةٌ أُخْرَى تُخِلُّ بِالْفَهْمِ وَهِيَ النَّسْخُ وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ وَتَغَيُّرُ الْإِعْرَابِ وَالتَّصْرِيفِ وَالْمُعَارِضُ الْعَقْلِيُّ وَاقْتَصَرَ كَالْمُصَنِّفِ عَلَى الْخَمْسَةِ الْأُولَى لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَلِقُوَّةِ الظَّنِّ مَعَ انْتِفَائِهَا (قَوْلُهُ: مِثَالُ الْأَوَّلِ) أَيْ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَأْخُوذَةِ وَهُوَ أَنَّ التَّخْصِيصَ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ (قَوْلُهُ: حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ) كَمَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ.
(قَوْلُهُ: لِمَا ثَبَتَ) أَيْ فِي اللُّغَةِ.
(قَوْلُهُ: لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ) وَهُوَ مِنْ عَلَامَاتِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازُ الْمَشْهُورُ خِلَافُ الْأَصْلِ.
(قَوْلُهُ: نَحْوُ حَتَّى تَنْكِحَ) هِيَ وَمَا بَعْدُ مِنْ غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ فَالْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ فِيهَا الْعَقْدُ وَالْوَطْءُ مُسْتَفَادٌ مِنْ خَارِجٍ (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ الثَّانِي) أَيْ الشَّافِعِيُّ.
(قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى تَنَاوُلِ الْعَقْدِ) هُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَةُ الشَّارِحِ خِلَافَ ذَلِكَ وَالتَّحْقِيقُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْعُرْفِيَّةَ مَوْضُوعَةٌ لِمُطْلَقِ الْمَاهِيَّةِ صَحِيحَةً كَانَتْ أَوْ فَاسِدَةً.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَتَنَاوَلُهُ) فَلَا يَحْتَاجُ لِلتَّخْصِيصِ.
(قَوْلُهُ: وَمِثَالُ الثَّانِي) أَيْ أَنَّ التَّخْصِيصَ أَوْلَى مِنْ الْإِضْمَارِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ) أَيْ فَيَكُونُ مِنْ الْإِضْمَارِ.
(قَوْلُهُ: فَيَكُونُ الْخِطَابُ عَامًّا) أَيْ فِي لَكُمْ لِلْقَاتِلِ وَغَيْرِهِ مِنْ جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ.
(قَوْلُهُ: أَوْ فِي الْقِصَاصِ) أَيْ فَيَكُونُ تَخْصِيصًا.
(قَوْلُهُ: فَيَكُونُ الْخِطَابُ مُخْتَصًّا بِهِمْ) أَيْ فَيَلْزَمُ التَّخْصِيصُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ التَّخْصِيصِ فِي الْخِطَابِ التَّخْصِيصُ فِي الْحُكْمِ الْعَامِّ فَإِنَّ الْخِطَابَ عَامٌّ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ فَلَا يَرِدُ أَنَّ التَّمْثِيلَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِمَا الْكَلَامُ فِيهِ مِنْ تَخْصِيصِ الْحُكْمِ الْعَامِّ (قَوْلُهُ: وَمِثَالُ الثَّالِثِ) أَيْ أَنَّ الْإِضْمَارَ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ (قَوْلُهُ: كَالْأَبْنِيَةِ) أَيْ كَمَا أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي الْأَبْنِيَةِ فَتَكُونُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْأَهْلِ وَالْأَبْنِيَةِ الْمُجْتَمِعَةِ.
(قَوْلُهُ: لِهَذِهِ الْآيَةِ) أَيْ الدَّلِيلُ عَلَى الِاشْتِرَاكِ هُوَ هَذِهِ الْآيَةُ وَغَيْرُهَا وَفِيهِ أَنَّهَا لَا تَدُلُّ بَلْ تَحْتَمِلُ الْإِضْمَارَ وَقَوْلُهُ {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ} [يونس: ٩٨] حَيْثُ أُسْنِدَ الْإِيمَانُ إلَى ضَمِيرِ الْقَرْيَةِ (قَوْلُهُ: وَمِثَالُ الرَّابِعِ) أَيْ أَنَّ الْمَجَازَ أَوْلَى مِنْ النَّقْلِ.
(قَوْلُهُ: فَقِيلَ هِيَ مَجَازٌ) يَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْكَانِ مَجَازٌ