خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فِيمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ الَّذِي لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ هَذَا ابْنِي أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْعِتْقَ الَّذِي هُوَ لَازِمٌ لِلْبُنُوَّةِ صَوْنًا لِلْكَلَامِ عَنْ الْإِلْغَاءِ وَأَلْغَيْنَاهُ كَصَاحِبَيْهِ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَصْحِيحِهِ بِمَا ذُكِرَ أَمَّا إذَا كَانَ مِثْلُ الْعَبْدِ يُولَدُ لِمِثْلِ السَّيِّدِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَنَا كَقَوْلِهِمْ إنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ مُؤَاخَذَةً بِاللَّازِمِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمَلْزُومُ
(وَهُوَ) أَيْ الْمَجَازُ (وَالنَّقْلُ خِلَافُ الْأَصْلِ) فَإِذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ وَالْمَجَازِيَّ أَوْ الْمَنْقُولَ عَنْهُ وَإِلَيْهِ فَالْأَصْلُ أَيْ الرَّاجِحُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقِيِّ
ــ
[حاشية العطار]
مِنْ جِهَةِ الْخَلَفِيَّةِ فَعِنْدَهُمَا هِيَ الْحُكْمُ حَتَّى يُشْتَرَطَ فِي الْمَجَازِ إمْكَانُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَعِنْدَهُ التَّكَلُّمُ حَتَّى تَكْفِيَ صِحَّةُ اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ سَوَاءٌ صَحَّ مَعْنَاهُ أَوْ لَا فَقَوْلُ الْقَائِلِ هَذَا ابْنِي لِعَبْدٍ مَعْرُوفِ النَّسَبِ مَجَازٌ اتِّفَاقًا إنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهُ سِنًّا وَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ فَعِنْدَهُ مَجَازٌ يَثْبُتُ بِهِ الْعِتْقُ لِصِحَّةِ اللَّفْظِ وَعِنْدَهُمَا لَغْوٌ لِاسْتِحَالَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ أَنَّ الْأَكْبَرَ مَخْلُوقٌ مِنْ نُطْفَةِ الْأَصْغَرِ اهـ.
وَنَقَلَ الْكَمَالُ عَنْ شَيْخِهِ فِي تَحْرِيرِهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا الْأَصْلَ اهـ.
لَكِنْ نَقَلَ سم عَنْ شَيْخِهِ الشِّهَابِ أَنَّهُ كَتَبَ بِخَطِّهِ عَلَى هَامِشِ الْكَمَالِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْأَصْلَ ظَهِيرُ الدِّينِ الزَّنْجَانِيُّ فِي كِتَابِ تَخْرِيجِ الْفُرُوعِ عَلَى الْأُصُولِ فَقَالَ مَسْأَلَةُ الْمَجَازِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي الْحُكْمِ كَمَا أَنَّهُ خَلَفٌ عَنْهُ فِي التَّكَلُّمِ اهـ.
وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَة لِمَا اعْتَذَرَ بِهِ الْكَمَالُ بِقَوْلِهِ وَكَانَ الْمُصَنِّفُ فَهِمَ مِنْ مُوَافَقَتِهِمَا فِي الْفَرْعِ مُوَافَقَتَهُمَا فِي الْأَصْلِ قَالَ سم وَظَاهِرٌ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَمِدٍ عَلَيْهِ وَلَوْ مَعَ النِّيَّةِ قَالَ وَعِبَارَةُ الْقَرَافِيِّ مُصَرِّحَةٌ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ إنْ أُرِيدَ بِاللَّفْظِ مَعْنَاهُ الْمَجَازِيُّ وَكَانَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ هُنَاكَ مُسْتَحِيلًا بِالْمَجَازِ عِنْدَنَا لَاغٍ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعْمُولٌ بِهِ مِثَالُهُ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ الَّذِي هُوَ أَسَنُّ مِنْهُ هَذَا ابْنِي وَأَرَادَ بِهِ الْعِتْقَ لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَنَا لِأَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يَصْلُحُ مَجَازًا إذَا كَانَ لَهُ حَقِيقَةٌ وَهَذَا اللَّفْظُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ لَا حَقِيقَةَ لَهُ فَيُلْغَى وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَعْتِقُ اهـ.
قَالَ سم أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ وَأَرَادَ بِهِ الْعِتْقَ مَعَ قَوْلِهِ لَمْ يَعْتَقْ عِنْدَنَا فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهِ مَعَ النِّيَّةِ اهـ.
وَاَلَّذِي رَأَيْته بِخَطِّ بَعْضِ أَفَاضِلِ الْمَالِكِيَّةِ الَّذِينَ أَدْرَكْنَا عَصْرَهُمْ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَهُمْ الْعَمَلُ بِالْقَرَائِنِ خِلَافًا لِمَا فِي الْقَرَافِيِّ ثُمَّ الْمُرَادُ بِالِاسْتِحَالَةِ الِاسْتِحَالَةُ الْعَقْلِيَّةُ أَوْ الْعَادِيَةُ لَا الشَّرْعِيَّةُ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْعِتْقِ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّ فِيهِ اعْتِمَادَ الْمَجَازِ مَعَ اسْتِحَالَةِ الْحَقِيقَةِ شَرْعًا (قَوْلُهُ: الَّذِي لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ) لِكِبَرِ الْعَبْدِ وَصِغَرِ سِنِّ السَّيِّدِ (قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ لَازِمٌ لِلْبُنُوَّةِ) فَتَكُونُ عَلَاقَةُ الْمَجَازِ الْمَلْزُومِيَّةَ أَوْ أَنَّهُ مِنْ إطْلَاقِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ مِنْ أَسْبَابِ الْعِتْقِ لَا يُقَالُ هَذَا ابْنِي مِنْ قَبِيلِ زَيْدٌ أَسَدٌ فَهُوَ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ وَلَيْسَ بِاسْتِعَارَةٍ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَيْ هَذَا كَابْنِي وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْعِتْقَ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا أَوْرَدَ صَاحِبُ التَّلْوِيحِ.
وَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ زَيْدٌ أَسَدٌ بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْحَالُ نَاطِقَةٌ وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ ابْنِي مَعْنَاهُ مَوْلُودٌ لِي وَمَخْلُوقٌ مِنْ مَائِي فَيَكُونُ مُشْتَقًّا مِثْلُ الْحَالُ نَاطِقَةٌ.
(قَوْلُهُ: إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَصْحِيحِهِ) أَيْ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ مَثَلًا وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ آحَادِ النَّاسِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ عَدَمُ الِاعْتِمَادِ دَائِمًا وَفِي النَّاصِرِ أَنَّ قَوْلَهُ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَخْ احْتِرَازٌ عَنْ مِثْلِ {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر: ٢٢] {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] فَإِنَّ الْمَجَازَ بِالنُّقْصَانِ اعْتَمَدَ فِيهِ لِضَرُورَةِ الصِّحَّةِ الْعَقْلِيَّةِ فِي كَلَامِ الصَّادِقِ إلَى اعْتِمَادِهِ وَإِنْ آلَ الْأَمْرُ مَعَهُ إلَى الْحَقِيقَةِ وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ هُوَ الِاعْتِمَادُ عَلَى سَبِيلِ الْكُلِّيَّةِ لَا فِي الْجُمْلَةِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمَلْزُومُ)