. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية العطار]
بُطْلَانَ الرَّبْطِ الْمُطَّرِدِ إحْسَانُهُ السَّابِقُ عَنْ الْأَعْمَالِ.
قَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ عِنَايَتُهُ فِيكَ لَا لِشَيْءٍ مِنْكَ وَأَيْنَ كُنْتَ حِينَ وَجَّهَتْكَ عِنَايَتُهُ وَقَابَلَتْكَ رِعَايَتُهُ لَمْ يَكُنْ فِي أَزَلِهِ إخْلَاصُ أَعْمَالٍ وَلَا وُجُودُ أَحْوَالٍ بَلْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إلَّا مَحْضُ الْإِفْضَالِ وَعَظِيمُ النَّوَالِ (قَوْلُهُ: أَيْ أَفَاضِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّينَ) فَسَّرَهُمْ الْبَيْضَاوِيُّ بِأَنَّهُمْ الَّذِينَ صَعِدَتْ نُفُوسُهُمْ تَارَةً بِمَرَاقِي النَّظَرِ فِي الْحُجَجِ وَالْآيَاتِ وَأُخْرَى بِمَعَارِجِ التَّصْفِيَةِ وَالرِّيَاضَاتِ إلَى أَوْجِ الْعِرْفَانِ حَتَّى اطَّلَعُوا عَلَى الْأَشْيَاءِ وَأَخْبَرُوا عَنْهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَيْ رَفِيقًا) لِأَنَّ فَعِيلًا يُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ كَالصَّدِيقِ أَوْ أَنَّ الْمَعْنَى وَحَسُنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَفِيقًا وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ أَوْ الْحَالِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَسْتَمْتِعَ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُرَافَقَةِ الِاشْتِرَاكَ مَعَهُمْ فِي الْجَنَّةِ فِي الْمَنَازِلِ وَالدَّرَجَاتِ إذْ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّبِيِّينَ بَلْ وَالصِّدِّيقِينَ عَلَى تَفْسِيرِ الشَّارِحِ بَلْ الْمُرَادُ بِهَا مَا ذَكَرَ (قَوْلُهُ: وَذَهَبَ عَنْهُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ مَفْضُولٌ) أَيْ وَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا فِي الْوَاقِعِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مَفْضُولٌ وَلَكِنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ لَا يُوجِبُ عِنْدَهُ حَسْرَةً لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِمَا قُسِمَ لَهُ.
(قَوْلُهُ: الَّتِي تَخْتَلِفُ فِيهَا الْمَرَاتِبُ إلَخْ) لِأَنَّ الْجِنَانَ سَبْعٌ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ وَجَنَّةُ عَدْنٍ وَجَنَّةُ النَّعِيمِ وَدَارُ الْخُلْدِ وَجَنَّةُ الْمَأْوَى وَدَارُ السَّلَامِ وَعِلِّيُّونَ وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مَرَاتِبُ وَدَرَجَاتٌ مُتَفَاوِتَةٌ عَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِ الْأَعْمَالِ وَالْعُمَّالِ اهـ.
نَقَلَهُ الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَوَى عَنْهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَذْكِرَتِهِ أَنَّ الْجِنَانَ سَبْعٌ دَارُ الْجَلَالِ وَدَارُ السَّلَامِ وَجَنَّةُ عَدْنٍ وَجَنَّةُ الْمَأْوَى وَجَنَّةُ الْخُلْدِ وَجَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ وَجَنَّةُ النَّعِيمِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَقِيلَ إنَّ الْجِنَانَ أَرْبَعٌ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: ٤٦] وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [الرحمن: ٦٢] وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَى هَذِهِ الْأَرْبَعَ.
فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ قَالَ {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [النجم: ١٥] قُلْنَا جَنَّةُ الْمَأْوَى اسْمٌ لِجَمِيعِ الْجِنَانِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ {فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: ١٩] وَالْجَنَّةُ اسْمُ جِنْسٍ فَمَرَّةً يُقَالُ جَنَّةٌ وَمَرَّةً يُقَالُ جَنَّاتٌ وَكَذَلِكَ جَنَّةُ عَدْنٍ وَجَنَّاتُ عَدْنٍ لِأَنَّ الْعَدْنَ الْإِقَامَةُ وَكُلُّهَا دَارُ الْإِقَامَةِ كَمَا أَنَّهَا كُلُّهَا مَأْوَى الْمُؤْمِنِينَ وَكَذَلِكَ دَارُ الْخُلْدِ وَالسَّلَامِ لِأَنَّ جَمِيعَهَا دَارٌ لِلْخُلُودِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ كُلِّ خَوْفٍ وَحَزَنٍ وَكَذَلِكَ جَنَّاتُ النَّعِيمِ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ لِأَنَّهَا كُلُّهَا مَشْحُونَةٌ بِأَصْنَافِ النَّعِيمِ جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْ أَهْلِهَا مِنْ غَيْرِ سَابِقَةِ عَذَابٍ وَلَا مِحْنَةٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ الَّذِينَ سَبَقُونَا بِجَمِيعِ الْكَمَالَاتِ يَقُولُ مُؤَلِّفُهَا الْفَقِيرُ حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارُ الشَّافِعِيُّ الْأَزْهَرِيُّ عَامَلَهُ اللَّهُ بِلُطْفِهِ وَإِحْسَانِهِ قَدْ اسْتَرَاحَ جَوَادُ الْقَلَمِ مِنْ الْجَرْيِ فِي مَيْدَانِ طِرْسِهِ وَتَجَرَّدَ عَنْ حُلَّةِ سَوَادِ نَفْسِهِ بَعْدَ أَنْ اقْتَنَصَ أَوَابِدَ الْفَوَائِدِ وَغَاصَ فِي بِحَارِ الْمَعَانِي فَاسْتَخْرَجَ نَفَائِسَ الْفَوَائِدِ وَسَاقَهَا أَيُّهَا الطَّالِبُ الذَّكِيُّ إلَيْكَ وَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْكَ فَأَرَاحَكَ مِنْ تَعَبِ التَّفْتِيشِ عَنْهَا فِي مَظَانِّهَا وَسَهَّلَ لَكَ الطَّرِيقَ إلَى وِجْدَانِهَا فَلَا تُقَابِلْهَا بِإِعْرَاضٍ وَطَيِّ كَشْحٍ وَإِنْ عَثَرْتَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الطَّبْعُ الْبَشَرِيُّ مِنْ التَّقْصِيرِ فَقَابِلْهُ بِإِغْمَاضِ صَفْحٍ وَلَا تَنْسَنِي بِاَللَّهِ مِنْ صَالِحِ الدُّعَا فَإِنِّي لِمَا أَمَّلْتُهُ فِيكَ مُحْتَاجٌ، قَالَ مُؤَلِّفُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَوَافَقَ الْكَمَالُ بَعْدَ عِشَاءِ لَيْلَةِ الْخَمِيسِ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ١٢٤٦ بِمَنْزِلِي بِحَارَةِ دَرْبِ الْحَمَامِ بِخُطَّةِ الْمَشْهَدِ الْحُسَيْنِيِّ نَفَعَنَا اللَّهُ بِمَنْ حَلَّ بِهِ وَالْمُسْلِمِينَ آمِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute