فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ (وَإِمَّا لَا تُضَافُ) الْعِلَّةُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى السَّبَبِ (لِكَوْنِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا كَدَلَالَةِ السَّارِقِ) أَيْ كَدَلَالَةِ إنْسَانٍ سَارِقًا عَلَى مَالِ آخَرَ لِيَسْرِقَهُ فَفَعَلَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِوَصْفِهِ إيَّاهُ بِقَوْلِهِ (الْمُتَوَسِّطِ سَرِقَتُهُ) الَّتِي هِيَ فِعْلٌ يُبَاشِرُهُ الْمَدْلُولُ بِاخْتِيَارِهِ بَيْنَ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَالِ وَأَخْذِهِ.
(فَالْحَقِيقِيُّ) أَيْ فَدَلَالَتُهُ سَبَبٌ مَحْضٌ لِأَنَّهَا طَرِيقٌ مُفْضِيَةٌ إلَى الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْإِتْلَافُ وَعِلَّتُهُ السَّرِقَةِ مِنْ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ وَهِيَ مُتَخَلِّلَةٌ بَيْنَ السَّبَبِ وَالْحُكْمِ غَيْرُ مُضَافَةٍ إلَى السَّبَبِ (فَلَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى السَّبَبِ (فَلَا يَضْمَنُ دَالُّ السَّارِقِ) الْمَسْرُوقَ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مُضَافٌ إلَى فِعْلِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ لَا إلَى الدَّالِّ (وَلَا يُشْرَكُ فِي الْغَنِيمَةِ الدَّالُّ) لِقَوْمٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (عَلَى حِصْنٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ) بِوَصْفِ طَرِيقِهِ فَأَصَابُوهُ بِدَلَالَتِهِ وَحَصَلُوا عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ (لِقَطْعِ نِسْبَةِ الْفِعْلِ) أَيْ لِقَطْعِ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ اغْتِنَامُ الْمَدْلُولِينَ نِسْبَةَ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْحُصُولُ عَلَى الْغَنِيمَةِ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى السَّبَبِ الَّذِي هُوَ دَلَالَةُ الدَّالِّ بِوَاسِطَةِ تَخَلُّلِ اخْتِيَارِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ فَدَلَالَتُهُ سَبَبٌ مَحْضٌ نَعَمْ لَوْ ذَهَبَ مَعَهُمْ فَدَلَّهُمْ عَلَى الْحِصْنِ شَرَكَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ الْمُصَابَةِ فِيهِ لِأَنَّ فِعْلَهُ حِينَئِذٍ سَبَبٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ.
(وَلَا) يَضْمَنُ (دَافِعُ السِّكِّينِ لِصَبِيٍّ) لِيُمْسِكَهَا الصَّبِيُّ لِلدَّافِعِ (فَقَتَلَ) الصَّبِيُّ بِهَا (نَفْسَهُ) لِأَنَّ دَفْعَهَا إلَيْهِ سَبَبٌ مَحْضٌ لِلْهَلَاكِ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَيْهِ وَقَدْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْهَلَاكُ عِلَّتُهُ وَهُوَ قَتْلُ نَفْسِهِ بِاخْتِيَارٍ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ الدَّافِعِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالْإِمْسَاكِ لَا بِالِاسْتِعْمَالِ وَهُوَ إنَّمَا هَلَكَ بِالِاسْتِعْمَالِ (بِخِلَافِ سُقُوطِهَا) أَيْ مَا لَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ لِيُمْسِكَهَا فَسَقَطَتْ بِلَا قَصْدٍ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الصَّبِيِّ عَلَيْهِ فَهَلَكَ فَإِنَّ الدَّافِعَ يَضْمَنُ الصَّبِيَّ لِإِضَافَةِ الْهَلَاكِ حِينَئِذٍ إلَيْهِ لِأَنَّ الْهَلَاكَ لَمْ يَحْصُلْ بِمُبَاشَرَةِ فِعْلِ الْهَلَاكِ بِاخْتِيَارِ الصَّبِيِّ بَلْ بِإِمْسَاكِهِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ دَفْعِ الدَّافِعِ فَيُضَافُ مَا لَزِمَ مِنْ الْإِمْسَاكِ إلَيْهِ فَكَانَ الدَّفْعُ حِينَئِذٍ سَبَبًا فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ لِكَوْنِ عِلَّةِ التَّلَفِ وَهِيَ السُّقُوطَ تُضَافُ إلَيْهِ.
(وَلَا) يَضْمَنُ (الْقَائِلُ) لِغَيْرِهِ (تَزَوَّجْهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَرْأَةَ (فَإِنَّهَا حُرَّةٌ) فَتَزَوَّجَهَا وَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا أَمَةُ إنْسَانٍ (لِقِيمَةِ الْوَلَدِ) الَّتِي أَدَّاهَا إلَى ذَلِكَ الْإِنْسَانِ لِأَنَّ إخْبَارَهُ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ سَبَبٌ مَحْضٌ لِلِاسْتِيلَادِ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا عِلَّةٌ غَيْرُ مُضَافَةٍ إلَى الْأَخْبَارِ وَهِيَ عَقْدُ النِّكَاحِ الَّذِي بَاشَرَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ بِاخْتِيَارِهِمَا (بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الْوَلِيِّ أَوْ الْوَكِيلِ) أَيْ وَلِيِّهَا أَوْ وَكِيلِهَا (بِالشَّرْطِ) أَيْ بِشَرْطِ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَإِنَّ الزَّوْجَ الْمُسْتَوْلِدَ يَرْجِعُ بِضَمَانِ الْوَلَدِ عَلَى الْمُزَوِّجِ (لِلْغُرُورِ) مِنْ الْمُزَوِّجِ لِلزَّوْجِ لِأَنَّ شَرْطَ الْحُرِّيَّةِ صَارَ وَصْفًا لَازِمًا لِهَذَا التَّزْوِيجِ وَالِاسْتِيلَادُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ فَصَارَ وَصْفُ الْحُرِّيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ كَالتَّزْوِيجِ وَشَارِطُهَا صَاحِبُ عِلَّةٍ وَكَأَنَّهُ قَالَ أَنَا كَفِيلٌ بِمَا يَلْحَقُك بِسَبَبِ هَذَا الْعَقْدِ أَوْ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ حُكْمُ التَّزْوِيجِ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِطَلَبِ النَّسْلِ فَكَانَ الْمُزَوِّجُ صَاحِبَ عِلَّةٍ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ.
(وَلَا يَلْزَمُ) عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَمْ يُضَفْ فِيهَا الْحُكْمُ إلَى السَّبَبِ الْمَحْضِ (الْمُودِعُ وَالْمُحْرِمُ) إذَا دَلَّ الْمُودِعُ سَارِقًا وَالْمُحْرِمُ صَائِدًا (عَلَى الْوَدِيعَةِ وَالصَّيْدِ) فَسَرَقَ الْمَدْلُولُ الْوَدِيعَةَ وَقَتَلَ الصَّيْدَ حَيْثُ (يَضْمَنَانِ) أَيْ الْمُودِعُ وَالْمُحْرِمُ الدَّالَّانِ (وَهُمَا مُسَبِّبَانِ) عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَمَا قَامَ بِهِمَا مِنْ الدَّلَالَةِ سَبَبٌ مَحْضٌ وَقَدْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْحُكْمِ عِلَّةٌ لَهُ وَهِيَ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ وَإِنَّمَا لَمْ يُشْكِلْ هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَمْ يُضَفْ الْحُكْمُ فِيهَا إلَى السَّبَبِ الْمَحْضِ (لِأَنَّ ضَمَانَ الْمُودِعِ بِتَرْكِ الْحِفْظِ) الْمُلْتَزَمِ لِلْوَدِيعَةِ بِعَقْدِهَا الْمُبَاشِرِ لَهُ بِدَلَالَةِ السَّارِقِ عَلَيْهَا.
(وَ) ضَمَانُ (الْمُحْرِمِ بِإِزَالَةِ الْأَمْنِ) لِلصَّيْدِ الْمُلْتَزِمِ لَهُ بِالْإِحْرَامِ (الْمُتَقَرِّرِ بِالْقَتْلِ) لَهُ الْمُبَاشِرُ لَهَا بِدَلَالَةِ الْقَاتِلِ عَلَيْهِ (فَهُوَ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْمُودِعِ وَالْمُحْرِمِ الدَّالَّيْنِ (مُبَاشِرٌ) لِلْجِنَايَةِ عَلَى الْوَدِيعَةِ وَالصَّيْدِ فَهُوَ ضَامِنٌ بِالْمُبَاشَرَةِ لَا بِالتَّسَبُّبِ (بِخِلَافِهَا) أَيْ دَلَالَةِ الْحَلَالِ غَيْرَهُ (عَلَى صَيْدِ الْحَرَمِ) حَتَّى قَتَلَهُ الْمَدْلُولُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الدَّالِّ (لِأَنَّ أَمْنَهُ) أَيْ صَيْدِ الْحَرَمِ (بِالْمَكَانِ) الْخَاصِّ وَهُوَ الْحَرَمُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ أَمْنًا لِيَبْقَى مُدَّةَ بَقَاءِ الدُّنْيَا (وَلَمْ يَزُلْ) أَمْنُهُ (بِالدَّلَالَةِ) فَكَانَتْ سَبَبًا مَحْضًا (بِخِلَافِ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ صَيْدِ الْحَرَمِ مِنْ الصَّيُودِ (فَإِنَّهُ) أَيْ أَمْنَهُ (بِتَوَارِيهِ) وَبُعْدِهِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ (فَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ إزَالَةُ أَمْنِهِ وَهُوَ) أَيْ إذْهَابُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute