فَصْلٌ) :
وَأَمَّا غَيْرُ الْقَاضِي فَمَقْصُورٌ عَلَى مَا قَدِمَ عَلَيْهِ
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَوْ كَانَ الْمَحْكُومُ فِيهِ خَارِجَ الْبَلَدِ كَيْفَ يَحْكُمُ وَالْمِصْرُ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْقَضَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؟ ، فَطَرِيقُهُ أَنْ يُنَصِّبَ وَاحِدًا مِنْ أَعْوَانِهِ فَيَسْمَعَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ وَيَقْضِي هُنَاكَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُمْضِي حُكْمَهُ.
[الرُّكْنُ الْخَامِسُ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ]
وَهُوَ كُلُّ مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْحَقُّ، إمَّا بِإِقْرَارِهِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَصِحُّ إقْرَارُهُ، وَإِمَّا بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَيَمِينِ الِاسْتِبْرَاءِ إنْ كَانَ الْحَقُّ عَلَى مَيِّتٍ أَوْ عَلَى غَائِبٍ، وَإِمَّا بِلَدَدِهِ وَتَغَيُّبِهِ عَنْ حُضُورِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، وَإِمَّا بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَلَدَدِهِ عَنْ الْجَوَابِ عَلَى طَبَقِ الدَّعْوَى وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْحُكْمِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ، كُلُّ مَسْأَلَةٍ فِي مَحِلِّهَا.
(فَصْلٌ) :
وَالْمَقْضِيُّ عَلَيْهِمْ أَنْوَاعٌ: مِنْهُمْ الْحَاضِرُ الْمَالِكُ أَمْرَهُ، وَمِنْهُمْ الْغَائِبُ، وَمِنْهُمْ الصَّغِيرُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ السَّفِيهُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ الْوَرَثَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، وَمِنْهُمْ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ فَأَمَّا الْحَاضِرُ الْمَالِكُ أَمْرَهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سِيرَةِ الْقَاضِي مَعَ الْخُصُومِ أَكْثَرُ أَحْكَامِهِ، وَسَيَأْتِي تَمَامُهَا فِي الْجَوَابِ وَالنُّكُولِ وَالْبَيِّنَةِ.
وَأَمَّا الْغَائِبُ: فَقَدْ ذَكَرْت الدَّعْوَى عَلَيْهِ فِي فَصْلِ الدَّعَاوَى وَذِكْرِ أَنْوَاعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ.
وَأَمَّا الصَّغِيرُ وَالسَّفِيهُ وَالْوَرَثَةُ: فَهُمْ مَذْكُورُونَ فِي الدَّعَاوَى فِي أَنْوَاعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ.
(فَصْلٌ) :
وَلَا يَحْكُمُ عَلَى عَدُوِّهِ كَمَا لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا تَظَالَمُوا وَتَرَافَعُوا إلَيْهِ وَرَضُوا بِحُكْمِهِ، وَلْيَحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: ٤٢] قَالَ بَعْضُهُمْ: وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّا نَحْكُمُ بَيْنَهُمْ وَإِنْ لَمْ تَرْضَ أَسَاقِفَتُهُمْ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَإِنَّمَا لِحَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ فِي التَّظَالُمِ، مِثْلَ أَنْ يَمْنَعَ وَارِثٌ وَارِثًا حَقَّهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إذَا رَضِيَ الْمُتَظَالِمَانِ بِذَلِكَ وَأَمَّا الْخَمْرُ وَالزِّنَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ فِيهِ.
[الرُّكْنُ السَّادِسُ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَضَاءِ]
وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ: مَعْرِفَةُ تَصَرُّفَاتِ الْحُكَّامِ وَاصْطِلَاحِهِمْ فِي الْأَحْكَامِ، وَفِيهِ فُصُولٌ.
الْأَوَّلُ: فِي تَقْرِيرَاتِ الْحُكَّامِ عَلَى الْوَقَائِعِ وَمَا هُوَ حُكْمٌ وَمَا لَيْسَ بِحُكْمٍ.
الثَّانِي: فِي بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ تَصَرُّفَاتِ الْحُكَّامِ الَّتِي هِيَ حُكْمٌ لَا يَجُوزُ نَقْضُهَا، وَاَلَّتِي لَيْسَتْ بِحُكْمٍ وَيَجُوزُ نَقْضُهَا.
الثَّالِثُ: فِي بَيَانِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَفْتَقِرُ إلَى حُكْمٍ وَمَا لَا تَفْتَقِرُ وَمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَبَيَانِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ الَّتِي يَدْخُلُهَا الْحُكْمُ اسْتِقْلَالًا أَوْ تَضَمُّنًا.
الرَّابِعُ: الْفَرْقُ بَيْنَ أَلْفَاظِ الْحُكْمِ الَّتِي جَرَتْ بِهَا عَادَةُ الْحُكَّامِ فِي التَّسْجِيلَاتِ وَبَيَانُ أَحْكَامِهَا وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا.
الْخَامِسُ: فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَالْحُكْمِ.
السَّادِسُ: فِي مَعْنَى تَنْفِيذِ الْقَاضِي حُكْمَ نَفْسِهِ وَمَعْنَى تَنْفِيذِهِ حُكْمَ غَيْرِهِ.
السَّابِعُ: فِي بَيَانِ مَا يَدُلُّ عَلَى صُدُورِ الْحُكْمِ الثَّانِي: فِي تَنْبِيهَاتٍ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ التَّنَبُّهُ لَهَا فِيمَا يَشْهَدُ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي التَّسْجِيلَاتِ وَمَا يَمْتَنِعُ الْإِشْهَادُ بِهِ.
[الْأَوَّلُ: فِي تَقْرِيرَاتِ الْحَاكِمِ مَا رُفِعَ إلَيْهِ] اخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ يَلْزَمُ تَقْرِيرَ الْحَاكِمِ عَلَى الْوَاقِعَةِ حُكِمَ بِالْوَاقِعِ فِيهَا أَمْ لَا؟ ، كَمَا لَوْ رُفِعَ إلَيْهِ: امْرَأَةٌ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا وَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى حَنَفِيٍّ فَأَقَرَّهُ وَأَجَازَهُ ثُمَّ عُزِلَ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِهِ فَسْخُهُ وَإِقْرَارُهُ عَلَيْهِ كَالْحُكْمِ بِهِ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَالْحُكْمِ فَلَا يَتَعَرَّضُهُ قَاضٍ آخَرُ.
وَقَالَ أُنَاسٌ خَارِجَ الْمَذْهَبِ: لَيْسَ بِحُكْمٍ وَلِغَيْرِهِ فَسْخُهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ رُفِعَ لَهُ فَقَالَ لَا أُجِيزُ