اللَّهِ تَعَالَى، وَتُطْرَحُ صَحَائِفُ السَّيِّئَاتِ فِي كِفَّةِ الظُّلْمَةِ فَتَخِفُّ بِهَا الْمِيزَانُ بِعَدْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَمَنْ ثَقُلَتْ) أَيْ رَجُحَتْ (مَوَازِينُهُ) أَيْ مَوْزُونَاتُهُ وَهِيَ الصَّحَائِفُ الَّتِي فِيهَا الْأَعْمَالُ (فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) أَيْ النَّاجُونَ، وَانْظُرْ لِمَ تُرِكَ قَسِيمُ هَذَا وَهُوَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّمَا ثَقُلَتْ مَوَازِينُ مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمْ فِي الدُّنْيَا الْحَقَّ، وَإِنَّمَا خَفَّتْ مَوَازِينُ مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمْ فِي الدُّنْيَا الْبَاطِلَ، وَصِفَةُ الثِّقْلِ الِارْتِفَاعُ.
(وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ الْأُمَمَ (يُؤْتَوْنَ)
ــ
[حاشية العدوي]
يَخْفَى أَنْ هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، مِنْ أَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ تُوزَنُ أَعْمَالُهُ وَحْدَهُ حَسَنَاتُهُ فِي كِفَّةٍ وَسَيِّئَاتُهُ فِي كِفَّةٍ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّ الرُّجْحَانَ حِسِّيٌّ لَا مَعْنَوِيٌّ، وَقِيلَ يُجْعَلُ جَمِيعُ أَعْمَالِ الْعِبَادِ فِي الْمِيزَانِ مَرَّةً وَاحِدَةً الْحَسَنَاتُ فِي كِفَّةِ النُّورِ وَالسَّيِّئَاتُ فِي كِفَّةِ الظُّلْمَةِ، وَيَجْعَلُ اللَّهُ لِكُلِّ إنْسَانٍ عِلْمًا ضَرُورِيًّا يَفْهَمُ بِهِ خِفَّةَ أَعْمَالِهِ وَثِقَلَهَا، وَقِيلَ عَلَامَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ يَقُومُ عَمُودٌ مِنْ كِفَّةِ الظُّلْمَةِ، حَتَّى يَكْسُوَ كِفَّةَ النُّورِ فَإِذَا رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ يَقُومُ عَمُودٌ مِنْ كِفَّةِ النُّورِ، حَتَّى يَكْسُوَ كِفَّةَ الظُّلْمَةِ اهـ، وَالظَّاهِرُ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهَا لَهُ.
قَالَهُ اللَّقَانِيُّ وَعَلَيْهَا فَالرُّجْحَانُ مَعْنَوِيٌّ اهـ، أَقُولُ وَعَلَى هَذَا فَلَا يُعْقَلُ صَنْجٌ أَصْلًا [قَوْلُهُ: بِفَضْلِ اللَّهِ] لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ الشَّارِحِ، فَتَثْقُلُ مَعَ هَذَا التَّعْبِيرِ أَعْنِي قَوْلَهُ بِفَضْلِ اللَّهِ يَقْتَضِي أَنَّ الثَّابِتَ لِلْحَسَنَاتِ الثِّقْلُ، عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلِلسَّيِّئَاتِ الْخِفَّةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ تَسَاوَيَا، أَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَكْثَرَ وَهُوَ: طَرِيقَةٌ لِبَعْضِهِمْ قَائِلًا: إنْ كَانَ مُؤْمِنٌ يَثْقُلُ مِيزَانُهُ؛ لِأَنَّ إيمَانَهُ يُوزَنُ مَعَ حَسَنَاتِهِ، وَإِنَّ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المؤمنون: ١٠٢] أَيْ ابْتِدَاءً أَوْ بَعْدَ تَعْذِيبِهِمْ اهـ.
أَقُولُ وَثَمَرَةُ الْوَزْنِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَمَارَةٌ أَنَّهُ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ وَاسْتَحْسَنَ هَذَا الْقَوْلَ عج وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّ الثِّقْلَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ حَسَنَاتُهُ أَكْثَرَ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ سَيِّئَاتُهُ أَكْثَرَ فَتُثْقِلُ مِيزَانَهُ بِهَا وَيُحْمَلُ، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون: ١٠٣] أَيْ بَعْضُهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ، وَكَذَا يُقَالُ: فِي غَيْرِهَا أَقُولُ وَيُمْكِنُ تَمْشِيَةُ كَلَامِ شَارِحِنَا عَلَيْهِ بِأَنْ نَقُولَ: قَوْلُهُ، فَتَثْقُلُ أَيْ إنْ كَانَتْ حَسَنَاتُهُ أَكْثَرَ وَيَكُونُ التَّعْبِيرُ بِالْفَضْلِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَوْلَى لَوْ قَدَرَ وَأَرَادَ أَنْ يَخِفَّ مِيزَانُهُ مَعَ كَثْرَةِ حَسَنَاتِهِ، لَمَا كَانَ عَلَيْهِ حَرَجٌ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ يَفْعَلُ كَيْفَ يَشَاءُ. [قَوْلُهُ: فِي كِفَّةِ الظُّلْمَةِ] أَيْ عَنْ يَسَارِ الْعَرْشِ جِهَةَ النَّارِ، وَأَمَّا كِفَّةُ النُّورِ فَتُجْعَلُ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ جِهَةَ الْجَنَّةِ، كَمَا قَالَ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ.
[قَوْلُهُ: بِعَدْلِ اللَّهِ] فِيهِ شَيْءٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ الْخِفَّةَ ضِدُّ الثِّقْلِ، فَيَكُونُ خِفَّةُ السَّيِّئَاتِ فَضْلًا؛ لِأَنَّهَا مُلَازِمَةٌ لِثِقَلِ الْحَسَنَاتِ وَالْعَدْلِ فِي ثِقَلِهَا؛ لِأَنَّهُ مُلَازِمٌ لِخِفَّةِ الْحَسَنَاتِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: أَيْ مَوْزُونَاتِهِ] مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْحَالِ وَإِرَادَةِ الْمَحَلِّ فَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَوَازِينِ الْآلَاتِ الَّتِي يُوزَنُ بِهَا، [قَوْلُهُ: وَهِيَ الصَّحَائِفُ] أَيْ وَالْأَجْسَامُ الَّتِي عَلَى عَدَدِ الْأَعْمَالِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ] أَيْ ابْتِدَاءً أَوْ بَعْدَ التَّعْذِيبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، [قَوْلُهُ: وَانْظُرْ إلَخْ] قَدْ يُقَالُ: تَرَكَهُ إشَارَةً إلَى سَعَةِ رَجَاءِ فَضْلِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ إلَّا الثِّقْلُ.
وَأَجَابَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ فَلَا تَرْكَ حَقِيقَةٍ [قَوْلُهُ: وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ] عَلَى الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ الْمُؤْمِنِينَ تَثْقُلُ مَوَازِينُهُمْ، تَكُونُ الْآيَةُ مَحْمُولَةً عَلَى الْكُفْرِ وَإِمَّا عَلَى الْأُولَى وَهِيَ أَنَّ الَّذِي تَثْقُلُ مَوَازِينُهُ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ، فَهِيَ فِي الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَتُؤَوَّلُ إمَّا بِمَا تَقَدَّمَ وَإِمَّا بِأَنَّ الْخُلُودَ يُطْلَقُ عَلَى طُولِ الْمُكْثِ وَيَكُونُ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ أَشَارَ لَهُ تت.
[قَوْلُهُ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ إلَخْ] كَلَامُهُ يَنْزِلُ عَلَى الطَّرِيقَتَيْنِ فَإِنَّ حَمَلَ الْحَقَّ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَالْبَاطِلَ عَلَى الْكُفْرِ كَانَ آتِيًا عَلَى الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ حَمَلَ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ كَانَ آتِيًا عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى. [قَوْلُهُ: وَصِفَةُ الثِّقْلِ الِارْتِفَاعُ] أَيْ عَلَى عَكْسِ مِيزَانِ الدُّنْيَا، وَهَذَا ضَعِيفٌ