للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهِيَ مَا يُصِيبُ الْجِسْمَ، وَشَدِيدَةٌ وَهِيَ حَجْبُهُمْ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَتَسَلُّطُ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ، وَالثَّوَابُ الْجَزَاءُ فَيُجَازَى عَنْ الْإِحْسَانِ فِي الْجَنَّةِ وَعَنْ الْإِسَاءَةِ فِي النَّارِ.

(وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ شَرْعًا أَنَّهُ (تُوضَعُ) أَيْ تُنْصَبُ (الْمَوَازِينُ لِ) أَجْلِ (وَزْنِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ) أَيْ الصَّحَائِفِ الَّتِي فِيهَا أَعْمَالُ الْعِبَادِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} [الأنبياء: ٤٧] الْآيَةَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ الْعُمُومُ فِي الْمُؤْمِنِينَ مُحْسِنِينَ كَانُوا أَوْ مُسِيئِينَ.

وَفِي الْكَافِرِينَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَكْثَرِ، وَحِكْمَةُ الْوَزْنِ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى عَالِمًا

ــ

[حاشية العدوي]

لَا يَمْحُوهَا مِنْ الصَّحِيفَةِ، حَتَّى يُوقَفَ فَاعِلُهَا عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ، وَقِيلَ صَغَائِرُ اقْتَرَفَهَا وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَمَعْنَى الْحِسَابِ أَنَّ الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُعَدِّدُ عَلَى الْخَلْقِ أَعْمَالَهُمْ مِنْ إحْسَانٍ وَإِسَاءَةٍ وَيُعَدِّدُ عَلَيْهِمْ نِعَمَهُ ثُمَّ يُقَابِلُ الْبَعْضَ بِالْبَعْضِ فَمَا يَشِفُّ مِنْهَا عَلَى الْآخَرِ اُعْتُبِرَ اهـ، كَلَامُ الْقُرْطُبِيِّ وَبَعْضُهُ بِالْمَعْنَى وَنَقَلَ اللَّقَانِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْفَاسِقَ يُحَاسَبُ بَيْنَ مَعَارِفِهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَفْظَعَ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فَنَقُولُ: إنَّ الْفَضْلَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُؤْمِنِ لَيْسَ ثَابِتًا لِكُلِّ مُؤْمِنٍ، وَإِنَّ مَا قَالَهُ هَذَا الْبَعْضُ يُحْمَلُ عَلَى بَعْضِ الْفُسَّاقِ مِمَّنْ أَرَادَ اللَّهُ فَضِيحَتَهُ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: مَا يُصِيبُ الْجِسْمَ] ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ بِنَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ شَدِيدَةٍ أَوْ خَفِيفَةٍ، فَحِينَئِذٍ تَكُونُ الشِّدَّةُ الْمُقَابِلَةُ لِلْيُسْرِ بِالْحَجْبِ، وَتَكُونُ مَعْنَوِيَّةً أَيْ تَكُونُ الشِّدَّةُ مَعْنَوِيَّةً وَتَكُونُ الْمَعْنَوِيَّةُ أَقْوَى مِنْ الْحِسِّيَّةِ، سَوَاءٌ صَاحَبَهَا عَذَابٌ بِنَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ أَمْ لَا، فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَتَسْلِيطٌ إلَخْ لَا دَخْلَ لَهُ فِي تَحَقُّقِ الشِّدَّةِ، فَلَا يُنَاسِبُ ذِكْرُهَا [قَوْلُهُ: عَنْ الْإِحْسَانِ] الْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ طَاعَةِ الْمَوْلَى مَصْدَرُ أَحْسَنَ أَيْ أَتَى بِفِعْلٍ حَسَنٍ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ، [قَوْلُهُ: فِي الْجَنَّةِ] أَيْ الْمُجَازَاةُ الدَّائِمَةُ وَإِلَّا فَقَدْ تَكُونُ فِي الْقَبْرِ وَفِي الْمَوْقِفِ.

[قَوْلُهُ: وَعَنْ الْإِسَاءَةِ فِي النَّارِ] أَيْ دَارِ الْعِقَابِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْجَوَابَ الْمُتَقَدِّمَ لَا يَأْتِي هُنَا؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا دَخَلَ النَّارَ لَا يُخَلَّدُ وَيُجَابُ بِمَا يَشْمَلُهُمَا، بِأَنْ يُرَادَ الْمُجَازَاةُ الْعُظْمَى فَالْمُجَازَاةُ فِي الْقَبْرِ وَفِي الْمَوْقِفِ دُونَهَا وَفِي الْمَوْضِعَيْنِ بِمَعْنَى الْبَاءِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْفَاكِهَانِيِّ، فَالسَّبَبُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ أَيْ وَمَا يَكُونُ فِيهَا الْإِحْسَانُ، وَفِي دُخُولِ النَّارِ وَمَا يَكُونُ فِيهَا الْإِسَاءَةُ إلَّا أَنَّ الْإِحْسَانَ لَيْسَ سَبَبًا تَامًّا فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَالْجَزَاءُ الثَّانِي رَحْمَةُ اللَّهِ كَمَا تَقَدَّمَ لَهُ وَبَعْضٌ أَجَابَ بِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ الْجَنَّةَ أَيْ الْعَمَلُ الْمُجَرَّدُ عَنْ الْقَبُولِ وقَوْله تَعَالَى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: ٣٢] أَيْ بِالْعَمَلِ الْمُتَقَبَّلِ، وَالْقَبُولُ إنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى.

[قَوْلُهُ: الصَّحَائِفُ إلَخْ] أَيْ فَالْمَوْزُونُ نَفْسُ الصَّحَائِفِ، أَوْ إنَّ الْأَعْمَالَ تُجَسَّمُ، وَاقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى الصَّحَائِفِ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ كُتُبَ الْأَعْمَالِ هِيَ الَّتِي تُوزَنُ، وَقِيلَ تُوزَنُ الذَّوَاتُ لِمَا وَرَدَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَيُؤْتَى بِالْعَظِيمِ الثَّقِيلِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ» .

[قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ إلَخْ] ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ لَا تُوزَنُ أَعْمَالُهُمْ وَيُوَافِقُهُ فِي شَرْحِ الْجَوْهَرَةِ مِمَّا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا مِيزَانَ لِمَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ كَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَأَهْلِ الصَّبْرِ، نَعَمْ يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرَهُ تت، فَإِنَّهُ قَالَ: فَأَعْمَالُ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَالْأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ إلَّا أَعْمَالُ الْخَيْرِ تُجْعَلُ فِي كِفَّةِ النُّورِ وَلَا يُوجَدُ لَهُ مَا يُجْعَلُ فِي كِفَّةِ الظُّلْمَةِ، فَتُرْفَعُ كِفَّةُ النُّورِ إلَى أَعْلَى عِلِّيِّينَ، وَأَعْمَالُ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ إلَّا الشَّرُّ، أَيْ مِنْ كُفْرٍ وَسَيِّئَاتٍ تُجْعَلُ فِي كِفَّةِ الظُّلُمَاتِ، وَلَا يُوجَدُ مَا يُجْعَلُ لَهُمْ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى فَتَهْبِطُ بِعَمَلِهِ إلَى سِجِّينٍ، أَقُولُ ذَكَرَ بَعْضٌ مَا حَاصِلُهُ، فَلَوْ كَانَ لَهُ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ كَصِلَةِ الرَّحِمِ وَالْعِتْقِ فَإِنَّهَا تُوضَعُ فِي مِيزَانِهِ فَيَرْجَحُ الْكُفْرُ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَكْثَرِ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُوزَنُ لَهُ عَمَلٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى، {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: ١٠٥] ، وَأَجَابَ الْأَكْثَرُ بِأَنَّ الْمَعْنَى وَزْنًا نَافِعًا.

[قَوْلُهُ: وَحِكْمَةُ الْوَزْنِ] أَيْ مِنْ حَيْثُ الْإِخْبَارِ بِهِ، وَمِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ، فَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى الْأُولَى بِقَوْلِهِ: امْتِحَانُ اللَّهِ أَيْ إخْبَارُ اللَّهِ بِالْإِيمَانِ، أَيْ بِطَلَبِ الْإِيمَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>