(السَّلَامُ) أَيْ أَمَانُ اللَّهِ (عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ (أَشْهَدُ) أَيْ أَتَحَقَّقُ (أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) زَادَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ (وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ) فِي أَفْعَالِهِ (وَأَشْهَدُ) أَيْ أَتَحَقَّقُ (أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ) بِصِيغَةِ الِاسْمِ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةُ وَهُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَبْدُهُ (وَرَسُولُهُ) بِالضَّمِيرِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ سَلَّمْت بَعْدَ هَذَا) أَيْ بَعْدَ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ (أَجْزَأَك) أَيْ كَفَاك إلَى مُخَالَفَةِ الشَّافِعِيِّ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاجِبَةٌ فِي الْجُلُوسِ الْأَخِيرِ.
(وَمِمَّا تُزِيدُهُ إنْ شِئْت وَأَشْهَدُ أَنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (حَقٌّ) أَيْ ثَابِتٌ (وَ) أَشْهَدُ (أَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ) أَيْ أَتَحَقَّقُ أَنَّهُمَا مَخْلُوقَتَانِ الْآنَ (وَ) أَشْهَدُ (أَنَّ السَّاعَةَ) أَيْ الْقِيَامَةَ (آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا) أَيْ لَا شَكَّ فِيهَا فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَرُسُلِهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ (وَ) أَشْهَدُ (أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) ذَكَرَ الْقُبُورَ إمَّا لِأَنَّهُ الْأَعَمُّ وَالْأَغْلَبُ وَإِمَّا لِأَنَّ قَبْرَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسْبِهِ (اللَّهُمَّ) أَيْ يَا اللَّهُ (صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّدٍ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت وَرَحِمْت
ــ
[حاشية العدوي]
الْبَاقِلَّانِيُّ، فَهِيَ صِفَةُ فِعْلٍ وَالرَّحْمَةُ اللُّغَوِيَّةُ الَّتِي هِيَ رِقَّةٌ فِي الْقَلْبِ مُسْتَحِيلَةٌ عَلَيْهِ، فَتَعَيَّنَ الْعُدُولُ لِأَنَّ هَذَيْنِ الْمَحْمَلَيْنِ.
[قَوْلُهُ: أَيْ أَمَانُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ حَيْثُ فَسَّرَ السَّلَامَ أَوْ بِأَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُفَسِّرَهَا هُنَا بِذَلِكَ لِأَجْلِ أَنْ يَجْرِيَ الْكَلَامُ كُلُّهُ عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ وَلِذَا تَرَى كَلَامَ الْحَسَنِ حَيْثُ قَالَ: اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَيْنَا أَنَّنَا آمَنَّا بِك وَاتَّبَعْنَاك. [قَوْلُهُ: أَيْ الْمُؤْمِنِينَ] أَيْ فَالْمُرَادُ بِالصَّالِحِ الْمُؤْمِنُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَصْفٌ زَائِدٌ عَلَى الْإِيمَانِ أَيْ لِكَوْنِهِ لَا يَصُومُ أَوْ لَا يَحُجُّ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ وَالْأَشْهَرُ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، وَتَتَفَاوَتُ دَرَجَاتُهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْظَى بِهَذَا السَّلَامِ الَّذِي يُسَلِّمُهُ الْخَلَفُ فِي صَلَاتِهِمْ فَلْيَكُنْ عَبْدًا صَالِحًا وَإِلَّا حُرِمَ هَذَا الْفَضْلَ الْعَظِيمَ.
وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي أَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ لِيُوَافِقَ لَفْظُهُ مَعَ قَصْدِهِ انْتَهَى.
[قَوْلُهُ: وَالْمَلَائِكَةِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِنْسِ وَالْجِنِّ لِلتَّبْعِيضِ وَبِالنِّسْبَةِ لِلْمَلَائِكَةِ لِلْبَيَانِ. [قَوْلُهُ: وَحْدَهُ] حَالٌ مِنْ اسْمِ الْجَلَالَةِ مُؤَكِّدَةٌ أَوْ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي الْخَبَرِ مُؤَسِّسَةٌ، أَيْ وَاحِدٌ فِي الذَّاتِ وَفِي الصِّفَاتِ. [قَوْلُهُ: فِي أَفْعَالِهِ] بِهَذَا التَّقْدِيرِ يَحْتَاجُ لِقَوْلِهِ: لَا شَرِيكَ لَهُ. [قَوْلُهُ: أَجْزَأَك] وَصْفٌ طَرْدِيٌّ أَيْ لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ بَعْضُهُ أَوْ تَرَكَهُ جُمْلَةً.
قَالَ ابْنُ نَاجِي أَيْ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ غَيْرُهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَعْنَى أَجْزَأَك أَيْ مِنْ جِهَةِ الصِّحَّةِ وَالصِّحَّةُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى مَا ذُكِرَ فَالْجَوَابُ مَا عَلِمْتَهُ مِنْ أَنَّهُ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَقُولَ عَلَى جِهَةِ الْكَمَالِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [قَوْلُهُ: إنْ شِئْت] أَيْ أَوْ تُسَلِّمُ وَلَا تَزِيدُهُ تَعَقُّبَ هَذَا بِأَنَّ التَّخْيِيرَ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْحُكْمِ وَالدُّعَاءُ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ إنَّمَا خُيِّرَ دَفْعًا لِلْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ وَأَجَابَ آخَرُ بِأَنَّ التَّخْيِيرَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَا بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ.
[قَوْلُهُ: لَا رَيْبَ فِيهَا إلَخْ] جَوَابُ عَمَّا يُقَالُ نَفْيُ الرَّيْبِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ وَاقِعٌ مِنْ الْكُفَّارِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ لَا رَيْبَ فِيهَا بِاعْتِبَارِ مَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ أَوْ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ، أَيْ لَا تَرْتَابُوا أَوْ هُوَ بَاقٍ عَلَى مَعْنَاهُ وَنَزَلَ رَيْبُ الْمُرْتَابِينَ مَنْزِلَةَ عَدَمِهِ أَوْ الْمَعْنَى لَيْسَ بِمَظِنَّةٍ لِلرَّيْبِ. [قَوْلُهُ: وَالْأَغْلَبُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: وَارْحَمْ مُحَمَّدًا] يَجُوزُ الدُّعَاءُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرَّحْمَةِ إذَا كَانَتْ مَضْمُومَةً لِلصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أَوْ نَحْوَهُمَا مِمَّا يُشْعِرُ بِالتَّعْظِيمِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ هَكَذَا ذَكَرَ بَعْضٌ، وَتَوَقَّفَ الشَّيْخُ فِي ذَلِكَ مَعَ قَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمُ مَعَنَا أَحَدًا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَقَدْ حَجَرْت " فَأَقَرَّهُ عَلَى دُعَائِهِ لَهُ بِالرَّحْمَةِ.
[قَوْلُهُ: وَبَارِكْ] أَيْ اُنْشُرْ رَحْمَتَك. [قَوْلُهُ: كَمَا صَلَّيْت] الصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَرَحِمْت تَأْكِيدًا قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ضَبْطِ رَحِمْت هَلْ بِتَشْدِيدِ الْحَاءِ أَوْ بِكَسْرِهَا مَعَ التَّخْفِيفِ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ مِنْ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ الرِّوَايَةَ