للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَوْجِيهُهُمَا إلَى الْقِبْلَةِ فَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ خَالَفَ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ بِكُلِّ ذَاتِهِ لَمْ يَضُرَّهُ، وَأَمَّا كَوْنُهُمَا حَذْوَ أُذُنَيْهِ أَوْ دُونَهُمَا فَمُسْتَحَبٌّ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا كُلِّهِ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَكُلُّ ذَلِكَ) أَيْ وَضْعِهِمَا حَذْوَ أُذُنَيْك أَوْ دُونَ ذَلِكَ (وَاسِعٌ) أَيْ جَائِزٌ إلَى عَدَمِ فَرْضِيَّةِ مَا ذَكَرَهُ، وَلَمَّا خَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّمَ مِنْ قَوْلِهِ بَاسِطًا وَمِنْ قَوْلِهِ: وَكُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ أَنَّ لَهُ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ رَفَعَ ذَلِكَ التَّوَهُّمَ بِقَوْلِهِ: (غَيْرَ أَنَّك لَا تَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْك فِي الْأَرْضِ) افْتِرَاشَ السَّبُعِ لِمَا صَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ» .

وَفِي رِوَايَةٍ افْتِرَاشَ الْكَلْبِ (وَلَا تَضُمُّ عَضُدَيْك إلَى جَنْبَيْك وَلَكِنْ تَجْنَحَ) أَيْ تَمِيلَ (بِهِمَا تَجْنِيحًا وَسَطًا) بِتَحْرِيكِ السِّينِ لِأَنَّهُ اسْمٌ، وَهَذَا التَّجْنِيحُ مُسْتَحَبٌّ فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَسَيَنُصُّ عَلَى مَا تَفْعَلُ وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إبْطَيْهِ» ، (وَتَكُونُ رِجْلَاك فِي سُجُودِك قَائِمَتَيْنِ وَبُطُونُ إبْهَامَيْهِمَا إلَى الْأَرْضِ) وَكَذَلِكَ بُطُونُ سَائِرِ الْأَصَابِعِ، وَيُزَادُ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ وَأَنْ يَرْفَعَ بَطْنَهُ عَنْ فَخْذَيْهِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ وَدَلِيلُهُ مِنْ السُّنَّةِ.

(وَتَقُولُ إنْ شِئْت فِي سُجُودِك سُبْحَانَك رَبِّي ظَلَمْت نَفْسِي وَعَمِلْت سُوءًا فَاغْفِرْ لِي أَوْ) تَقُولُ: (غَيْرَ ذَلِكَ إنْ شِئْت) . ع: التَّخْيِيرُ الْأَوَّلُ بَيْنَ أَنْ تَقُولَ ذَلِكَ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْأَذْكَارِ، وَالتَّخْيِيرُ الثَّانِي بَيْنَ أَنْ تَقُولَ ذَلِكَ أَوْ تَسْكُتُ، وَإِنْ كَانَ التَّسْبِيحُ فِي السُّجُودِ مُسْتَحَبًّا وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَرُدَّ عَلَى مَنْ يَقُولُ التَّسْبِيحُ

ــ

[حاشية العدوي]

فَقَدْ قَالَ بِحَذْوِ الْمَنْكِبَيْنِ ابْنُ مَسْلَمَةَ، وَقَالَ بِحَذْوِ الصَّدْرِ ابْنُ شَعْبَانَ أَفَادَ ذَلِكَ تت. [قَوْلُهُ: وَلَوْ خَالَفَ] أَيْ لَمْ يُوَجِّهْهُمَا لِلْقِبْلَةِ لَمْ يَضُرَّهُ، أَيْ وَقَدْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ بَعْضٌ.

[قَوْلُهُ: إلَى عَدَمِ فَرْضِيَّةِ مَا ذَكَرَ] أَيْ مِنْ الْوَضْعِ حَذْوَ الْأُذُنَيْنِ أَوْ دُونَ ذَلِكَ أَيْ وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ فَلَمْ يُرِدْ بِالْجَوَازِ اسْتِوَاءَ الطَّرَفَيْنِ. [قَوْلُهُ: لَا تَفْتَرِشْ إلَخْ] أَيْ بَلْ الْمُسْتَحَبُّ رَفْعُهُمَا [قَوْلُهُ: نَهَى] أَيْ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ زَادَ فِي التَّحْقِيقِ، وَكَذَا لَا يَفْتَرِشُهُمَا عَلَى فَخْذَيْهِ وَهَذَا كُلُّهُ مَكْرُوهٌ. [قَوْلُهُ: افْتِرَاشَ السَّبُعِ] أَيْ كَافْتِرَاشِ السَّبُعِ [قَوْلُهُ: وَلَا تَضُمَّ عَضُدَيْك] أَيْ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي تت. تَثْنِيَةُ عَضُدٍ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَتُذَكَّرُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ تَذْكِيرُهَا [قَوْلُهُ: فَسَيَنُصُّ عَلَى مَا تَفْعَلُ] أَيْ مِنْ كَوْنِهَا مُنْضَمَّةً مُنْزَوِيَةً.

[قَوْلُهُ: جَافَى إلَخْ] أَيْ بَاعَدَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنَّ الْمُبَاعَدَةَ بَيْنَ الْيَدَيْنِ تَسْتَدْعِي بُعْدَ الْعَضُدِ عَنْ الْإِبْطِ فَيَظْهَرُ بَيَاضُ الْإِبْطِ، أَوْ أَرَادَ جَافَى كُلَّ يَدٍ عَنْ جَنْبِهَا [قَوْلُهُ: حَتَّى يَبْدُوَ] أَيْ يَظْهَرَ بَيَاضُ إبْطَيْهِ أَيْ بِحَيْثُ يُرَى أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَابِسًا قَمِيصًا لِأَنَّهُ عِنْدَ لُبْسِ الْقَمِيصِ لَا يُرَى لِلنَّاظِرِ، وَحَمْلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ لَابِسًا لِقَمِيصٍ بَلْ سَاتِرًا لِعَوْرَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا بِدُونِ سَتْرِ الْيَدَيْنِ بَعِيدٌ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ الْمُفِيدِ دَوَامَ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ] الْكُلُّ هُنَا بِمَعْنَى الْمَجْمُوعِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْبَعْضَ سُنَّةٌ وَهُوَ السُّجُودُ عَلَى أَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ الْمُشَارِ لَهُ بِقَوْلِهِ وَتَكُونُ رِجْلَاهُ إلَخْ، لَكِنَّ فِي ذَلِكَ بَحْثٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِالسُّنِّيَّةِ ابْنُ الْقَصَّارِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ الْمَالِكِيَّةِ الَّذِينَ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْمُسْتَحَبِّ وَاَلَّذِي فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْمَغَارِبَةُ.

[قَوْلُهُ: وَدَلِيلُهُ مِنْ السُّنَّةِ إلَخْ] رَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ فَخْذَيْهِ غَيْرَ حَامِلِ بَطْنِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَخْذَيْهِ» . [قَوْلُهُ: وَتَقُولُ إنْ شِئْت] اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ التَّصْرِيحَ بِهِ لِمَا قِيلَ، إنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَهُ حِينَ أَكَلَ مِنْ الشَّجَرَةِ وَأُهْبِطَ إلَى الْأَرْضِ فَابْيَضَّ وَجْهُهُ بَعْدَ اسْوِدَادِهِ مِنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ. [قَوْلُهُ: وَعَمِلْت سُوءًا] كَالتَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ ظَلَمْت نَفْسِي. [قَوْلُهُ: فَاغْفِرْ لِي] أَيْ اُسْتُرْ مَا وَقَعَ مِنِّي عَنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْخَلْقِ يَوْمَ الْحِسَابِ.

[قَوْلُهُ: قَوْلُهُ التَّخْيِيرُ الْأَوَّلُ إلَخْ] اعْتَرَضَهُ التَّتَّائِيُّ بِأَنَّ الْأَوَّلَ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالتَّرْكِ وَالثَّانِيَ بَيْنَ هَذَا وَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَتْنِ قَالَ عج.

[قَوْلُهُ: وَعَلَى مَنْ يَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ] أَيْ وَإِنْ كَانَ يَقُولُ بِأَنَّ التَّسْبِيحَ مَنْدُوبٌ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِتْيَانُ بِالْمَنْدُوبِ إلَّا بِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>