السَّمَاءُ، وَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَ لَمْ يَذْكُرْ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ النِّيَّةَ وَهِيَ فَرْضٌ اتِّفَاقًا عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَعَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الشُّيُوخُ هَلْ تُؤْخَذُ النِّيَّةُ مِنْ كَلَامِهِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى نِيَّةِ الْوُضُوءِ فِي الرِّسَالَةِ أَصْلًا.
وَقَالَ: بَعْضُهُمْ تُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: (وَيَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُتَوَضِّئِ (أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَ الْوُضُوءِ احْتِسَابًا) أَيْ خَالِصًا (لِلَّهِ تَعَالَى) لَا لِرِيَاءٍ وَلَا لِسُمْعَةٍ وَطَمَعًا فِي ثَوَابٍ مُدَّخَرٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى (لِ) أَجْلِ
ــ
[حاشية العدوي]
بِالْغَيْرِ الْجِنْسَ الْمُتَحَقِّقَ فِي وَاحِدٍ الَّذِي هُوَ الْوُضُوءُ.
[قَوْلُهُ: وَقِبْلَةُ الدُّعَاءِ إلَخْ] قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: فَإِنْ قُلْت: مَا السِّرُّ فِي رَفْعِ الطَّرْفِ إلَى السَّمَاءِ وَالْمَدْعُوُّ سُبْحَانَهُ لَيْسَ فِي جِهَةٍ وَلَا مُسْتَقِرٌّ عَلَى مَكَان وَكَذَا رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الدُّعَاءِ؟ قُلْت: أَمَّا رَفْعُ الطَّرْفِ فَيُحْتَمَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ سِرُّ ذَلِكَ شَغْلَ نَظَرِهِ بِأَعْظَمِ الْمَخْلُوقَاتِ الْمَرْئِيَّةِ لَنَا فِي الدُّنْيَا وَهِيَ السَّمَاوَاتُ، وَالْإِعْرَاضُ بِقَلْبِهِ وَقَالَبِهِ عَنْ الدُّنْيَا فَهُوَ أَدْعَى لِحُضُورِ قَلْبِهِ وَمُوَافَقَةِ لِسَانِهِ لِمَا يُشَاهِدُهُ وَيَسْتَحْضِرُهُ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ، وَقَدْ ابْتَدَأَ اللَّهُ بِالسَّمَاوَاتِ فِي آيَةِ التَّفَكُّرِ فِي قَوْلِهِ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة: ١٦٤] .
وَأَمَّا رَفْعُ الْيَدَيْنِ فَقَالَ الْغَزَالِيُّ: لِأَنَّ السَّمَاءَ قِبْلَةُ الدُّعَاءِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا هُوَ وَصْفٌ لِلْمَدْعُوِّ مِنْ الْجَلَالِ وَالْكِبْرِيَاءِ اهـ.
فَقَدْ جَعَلَ عِلَّةَ النَّظَرِ اشْتِغَالَ النَّظَرِ بِمَا ذُكِرَ، وَجَعَلَ عِلَّةَ رَفْعِ الْيَدَيْنِ أَنَّهَا قِبْلَةُ الدُّعَاءِ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ كَلَامِ شَارِحِنَا؛ لِأَنَّ شَارِحَنَا جَعَلَ عِلَّةَ النَّظَرِ كَوْنَهَا قِبْلَةَ الدُّعَاءِ.
فَإِنْ قُلْت: إنَّ الشَّهَادَتَيْنِ لَيْسَتَا دُعَاءً قُلْت: إنَّ التَّلَفُّظَ بِهِمَا شُكْرٌ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: ٧] فَهُوَ دُعَاءٌ فِي الْمَعْنَى، بَقِيَ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ كَلَامَ هَذَا الشَّارِحِ يُفِيدُ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَمْنَعُ النَّظَرَ لِلسَّمَاءِ حَتَّى عَقِبَ الْوُضُوءِ، وَكَيْفَ يَعْمَلُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ ثُمَّ رَفَعَ طَرْفَهُ إلَى السَّمَاءِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ] أَيْ يُكْرَهُ مَا لَمْ يَكُنْ لِلِاعْتِبَارِ. [قَوْلُهُ: وَعَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ إلَخْ] وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ بِعَدَمِ فَرْضِيَّتِهَا، حَكَاهَا الْمَازِرِيُّ نَصًّا فِي الْوُضُوءِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ فِي الْغُسْلِ.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَمْ يَحْفَظْ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ أَيْ الَّذِي هُوَ ابْنُ رُشْدٍ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ خِلَافًا بَلْ حَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَيْهَا اهـ.
[قَوْلُهُ: لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ] ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَنْوِي عَمَلَ الْوُضُوءِ [قَوْلُهُ: فِي الرِّسَالَةِ] هَذَا التَّقْيِيدُ أَعْنِي قَوْلَهُ فِي الرِّسَالَةِ يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ ذَكَرَهَا فِي غَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ تُؤْخَذُ إلَخْ] أَيْ مِنْ قَوْلِهِ: مَا أَمَرَهُ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَنَقَلَهُ تت. قُلْت: وَمِنْ قَوْلِهِ احْتِسَابًا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ خَالِصًا، وَالْإِخْلَاصُ النِّيَّةُ عَلَى مَا قَالَهُ شَارِحُنَا.
[قَوْلُهُ: أَيْ الْمُتَوَضِّئِ] أَيْ مُرِيدِ الْوُضُوءِ [قَوْلُهُ: عَمَلَ الْوُضُوءِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ عَمَلًا هُوَ الْوُضُوءُ.
[قَوْلُهُ: احْتِسَابًا] حَالٌ مِنْ عَمَلَ الْوُضُوءِ [قَوْلُهُ: لَا لِرِيَاءٍ وَلَا لِسُمْعَةٍ] قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْثَمِيُّ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ: الرِّيَاءُ الْعَمَلُ لِغَرَضٍ مَذْمُومٍ كَأَنْ يَعْمَلَ لِيَرَاهُ النَّاسُ، وَالسُّمْعَةُ أَنْ يَعْمَلَ لِيَسْمَعَ النَّاسُ عَنْهُ بِذَلِكَ فَيُكْرِمُوهُ بِإِحْسَانٍ أَوْ مَدْحٍ أَوْ يَعْظُمُ جَاهُهُ بِهِ فِي قُلُوبِهِمْ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْفِسْقِ مُحْبِطٌ لِثَوَابِ الْعَمَلِ اهـ.
الْمُرَادِ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَطَمَعًا إلَخْ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى قَوْلِهِ خَالِصًا إشَارَةٌ إلَى الْمَرْتَبَةِ الدُّنْيَا مِنْ مَرَاتِبِ الْإِخْلَاصِ، إذْ الْمَرَاتِبُ ثَلَاثٌ دُنْيَا وَهِيَ أَنْ يَعْمَلَ طَمَعًا فِي جَنَّتِهِ وَخَوْفًا مِنْ نَارِهِ، وَوُسْطَى وَهِيَ أَنْ يَعْمَلَ لِكَوْنِهِ عَبْدًا مَمْلُوكًا لِلَّهِ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ كُلَّ شَيْءٍ وَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَى مَوْلَاهُ شَيْئًا، وَعُلْيَا وَهِيَ أَنْ يَعْمَلَ لِأَجْلِ الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ لَا طَمَعًا فِي جَنَّتِهِ وَلَا خَوْفًا مِنْ نَارِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ أَنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ عَمِلَ لِأَجْلِ اسْتِحْقَاقِ الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ، وَالْعُلْيَا لَمْ يُلَاحِظْ فِي الْعَمَلِ اسْتِحْقَاقَ الذَّاتِ بَلْ عَمِلَ لِمُجَرَّدِ الذَّاتِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَمَلَ لِمُجَرَّدِ الذَّاتِ أَرْفَعُ رُتْبَةً مِنْ الْعَمَلِ لِلذَّاتِ لِكَوْنِهَا مُسْتَحَقَّةً لِلْعِبَادَةِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ حَيْثُ أَرَادَ بِالْإِخْلَاصِ الطَّمَعَ الْمَذْكُورَ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً فَلَمْ يُرِدْ بِهِ النِّيَّةَ الَّتِي هِيَ وَاجِبَةٌ فِي الْوُضُوءِ وَإِنْ اسْتَلْزَمَتْهَا فَتَدَبَّرْ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُنَا عَطْفُ تَفْسِيرٍ إشَارَةٌ إلَخْ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْخُلُوصَ لِلَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى عَدَمِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ صَادِقٌ بِالصُّوَرِ