عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ» وَوَرَدَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يَقُولُ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (وَقَدْ اسْتَحَبَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ) وَهُوَ ابْنُ حَبِيبٍ (أَنْ يَقُولَ بِإِثْرِ الْوُضُوءِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِفَتْحِهِمَا (اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ) الَّذِينَ كُلَّمَا أَذْنَبُوا تَابُوا (وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ) مِنْ الذُّنُوبِ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ لَيْسَ مِنْ الْحَدِيثِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْحَدِيثِ، وَقَدْ نَقَلْنَا لَفْظَهُ وَتَعَدُّدَ طُرُقِ الْحَدِيثِ فِي الْكَبِيرِ وَأُخِذَ مِنْ الْحَدِيثِ جَوَازُ رَفْعِ الطَّرْفِ إلَى السَّمَاءِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ قِبْلَةً وَقِبْلَةُ الدُّعَاءِ
ــ
[حاشية العدوي]
يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ لِلسَّمَاءِ بِالْفِعْلِ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَتَفَكَّرُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَالسِّرُّ فِي رَفْعِ الطَّرْفِ إلَى السَّمَاءِ هُوَ شَغْلُ نَظَرِهِ بِأَعْظَمِ الْمَخْلُوقَاتِ الْمَرْئِيَّةِ لَنَا فِي الدُّنْيَا وَهِيَ السَّمَاوَاتُ، وَالْإِعْرَاضُ بِقَلْبِهِ وَقَالَبِهِ عَنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فَيَكُونُ ذَلِكَ أَدْعَى لِحُضُورِ قَلْبِهِ وَمُوَافَقَتِهِ لِلِسَانِهِ قَالَهُ عج.
[قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ] الْمُرَادُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ، وَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ عج أَنَّ بَعْضَهُمْ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْقَيْدَ. [قَوْلُهُ: فُتِحَتْ إلَخْ] يُرْوَى مُخَفَّفًا وَمُشَدَّدًا عج. [قَوْلُهُ: الثَّمَانِيَةُ] هِيَ بَابُ الصَّلَاةِ وَبَابُ الزَّكَاةِ وَبَابُ الصِّيَامِ وَبَابُ الْجِهَادِ وَبَابُ التَّوْبَةِ وَبَابُ الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَبَابُ الرَّاضِينَ، وَالْبَابُ الْأَيْمَنُ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنْ حَاشِيَةِ مُسْلِمٍ لِلسُّيُوطِيِّ، وَالْمُرَادُ بِالصَّائِمِينَ الْفَرْضُ وَمُلَازَمَةُ النَّوَافِلِ وَكَثْرَتُهَا كَذَلِكَ قَالَهُ عج وَمُحَصَّلُهُ أَنَّ تِلْكَ الْأَبْوَابَ تُفْتَحُ حَقِيقَةً.
[قَوْلُهُ: يَدْخُلُ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ] أَيْ بَعْدَ الْمُرُورِ عَلَى الصِّرَاطِ؛ لِأَنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ قَبْلَ الْقِيَامَةِ.
قَالَ عج: وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ «إنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا لَا يَدْخُلُهُ إلَّا الصَّائِمُونَ، فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ أُغْلِقَ» ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ لَا يَسْتَلْزِمُ الدُّخُولَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ يُزَهِّدُهُ فِيهِ وَيُزَيِّنُ لَهُ غَيْرَهُ اهـ.
وَقَالَ الْقَلْيُوبِيُّ الشَّافِعِيُّ: فُتِحَتْ أَيْ إكْرَامًا لَهُ وَلَكِنْ لَا يَشَاءُ وَلَا يَدْخُلُ إلَّا مِنْ الْبَابِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِهِ، وَقِيلَ: مَعْنَى فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ أَيْ سُهِّلَتْ لَهُ أَبْوَابُ الطَّاعَةِ الْمُوَصِّلَةُ لِلْجَنَّةِ.
تَنْبِيهٌ: اُنْظُرْ مَا فَائِدَةُ تَخْصِيصِ الْفَتْحِ بِالثَّمَانِيَةِ مَعَ أَنَّ الْقُرْطُبِيَّ عَدَّ أَبْوَابَهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَابًا، هَكَذَا اسْتَشْكَلَ الشَّيْخُ خَضِرٌ الشَّافِعِيُّ وَأَجَابَ بَعْضُ الشُّيُوخِ بِأَنَّ الثَّمَانِيَةَ هِيَ الْكِبَارُ الْمَشْهُورَةُ، وَمِنْ دَاخِلِ كُلِّ بَابٍ صِغَارٌ دُونَهَا فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ.
[قَوْلُهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ] ظَاهِرُ تِلْكَ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْفَضْلَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالثَّلَاثِ، وَالْأَحْوَطُ الْقَوْلُ ثَلَاثًا. [قَوْلُهُ: بِإِثْرِ الْوُضُوءِ] أَيْ وَإِثْرِ الذِّكْرِ الْمُتَقَدِّمِ [قَوْلُهُ: مِنْ التَّوَّابِينَ إلَخْ] قَالَ تت: وَحِكْمَةُ تَقْدِيمِ التَّوَّابِينَ عَلَى الْمُتَطَهِّرِينَ لِئَلَّا يَقْنَطُوا. وَأَخَّرَ الْمُتَطَهِّرِينَ لِئَلَّا يَعْجَبُوا اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ فِي هَذَا الدُّعَاءِ تَنَافِيًا؛ لِأَنَّ آخِرَهُ مُضَمَّنُهُ الدُّعَاءُ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُلْتَبِسًا بِذَنْبٍ، وَأَوَّلَهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ التَّائِبِينَ مِنْ الذُّنُوبِ الَّتِي تَلَبَّسُوا بِهَا، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمَعْنَى: اجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ لَا يَقَعُ مِنْهُمْ ذَنْبٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَقَعَ مِنِّي ذَنْبٌ فَاجْعَلْنِي مِنْ التَّائِبِينَ، وَقِيلَ: التَّوَّابِينَ مِنْ الْكَبَائِرِ الْمُتَطَهِّرِينَ مِنْ الصَّغَائِرِ، وَقِيلَ: التَّوَّابِينَ مِنْ الْأَفْعَالِ الْمُتَطَهِّرِينَ مِنْ الْأَقْوَالِ. [قَوْلُهُ: لَفْظَهُ] أَيْ لَفْظَ التِّرْمِذِيِّ. وَقَوْلُهُ: وَتَعَدُّدَ طُرُقِ الْحَدِيثِ أَيْ الْآتِيَةِ مِنْ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ.
[قَوْلُهُ: فِي الْكَبِيرِ] كَتَبَ بَعْضُ الشُّيُوخِ مَا نَصُّهُ صَدَقَ وَلَقَدْ أَحْسَنَ، وَمِمَّا فِيهِ مُلَخَّصًا أَنَّ فِي رِوَايَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ كَمَا أَشَارَ لَهُ هُنَا، وَإِنْ لَمْ يَعْزُهُ لِرِوَايَةٍ، وَأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَلَمْ يَقُلْ: فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ ثُمَّ رَفَعَ طَرْفَهُ إلَى السَّمَاءِ وَزَادَ هُنَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَكِنْ بِلَفْظِ: ثُمَّ رَفَعَ بَصَرَهُ وَإِنْ اسْتَوَى مَعْنَاهُمَا وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ اهـ. [قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ] يَشْمَلُ الْوُضُوءَ وَغَيْرَهُ وَذَلِكَ وَارِدٌ فِي الْوُضُوءِ، فَالدَّلِيلُ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعِي إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ