للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِأَشْيَاءَ مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُمْ فِي أَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ وَأَنَّ الْأَرْضَ لَا تَأْكُلُ أَجْسَادَهُمْ كَالْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمُؤَذِّنِينَ، وَأَنَّهُمْ لَا يُسْأَلُونَ فِي قُبُورِهِمْ.

وَمِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ عَلَى مَا قَالَ ع قَوْلُهُ: (وَأَرْوَاحُ أَهْلِ السَّعَادَةِ) أَيْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَهُمْ

ــ

[حاشية العدوي]

يَخْفَى أَنْ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرَ الشُّهَدَاءِ إنَّمَا تَرَى مَقْعَدَهَا فِي الْجَنَّةِ وَهِيَ فِي قَبْرِهَا أَوْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ وَلَا تَدْخُلُ الْجَنَّةَ كَذَا ذَكَرَ عج، أَقُولُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ أَرْوَاحَ السُّعَدَاءِ أَيْ وَلَوْ غَيْرَ شُهَدَاءَ فِي الْجَنَّةِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ أَيْ كُلِّ الْمُغَايِرِينَ فَلَا يُنَافِي أَنَّ بَعْضَهُمْ فِي الْجَنَّةِ، [قَوْلُهُ: فَالشَّهِيدُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ فَعِيلًا بِمَعْنَى فَاعِلٍ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ الْمُفَرَّعَ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ فَإِنَّ أَرْوَاحَهُمْ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ فَعِيلًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، فَلَوْ أَتَى بِأَوْ لَكَانَ أَفْضَلَ لِيُفِيدَ أَنَّهُ يَصِحُّ كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ [قَوْلُهُ: مِنْهَا إلَخْ] أَيْ وَمِنْهَا الْأَمْنُ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْهَا أَنْ يُتَوَّجَ بِتَاجِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ يَشْفَعُ فِي اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ.

[قَوْلُهُ: أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُمْ فِي أَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ. . . إلَخْ] أَيْ مُلَاقَاةِ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، وَظَاهِرُهُ كَظَاهِرِ كَلَامِهِمْ وَالْحَدِيثُ كُلُّ ذَنْبٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرَةٍ أَيْ إلَّا حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ كَمَا ذَكَرَهُ اللَّقَانِيُّ عَنْ حَدِيثٍ وَهُوَ يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إلَّا الدِّينَ، وَالْمُرَادُ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ كَمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَأَيْتُهُ فِي ذَلِكَ تَابِعًا لِمَنْ كَتَبَ عَلَى مُسْلِمٍ ثُمَّ قَالَ أَيْ اللَّقَانِيُّ: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَى مُقْتَضَى هَذَا الظَّاهِرِ مُصَرَّحًا بِهِ لِأَحَدٍ غَيْرَ مَا قَالَهُ الْجَلَالُ وَنَصُّ الْجَلَالِ قُلْت، وَعِنْدِي أَنَّ مَقْصُودَ الْحَدِيثِ الْإِخْبَارُ، بِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ أَعْنِي قَتْلَ الْمُؤْمِنِ الْكَافِرَ يُكَفِّرُ مَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ كُلِّهَا كَبَائِرِهَا وَصَغَائِرِهَا دُونَ مَا يَسْتَقْبِلُ مِنْهَا، فَإِنْ مَاتَ عَنْ قُرْبٍ أَوْ بُعْدٍ مُدَّةً وَقَدْ سَدَّدَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لَمْ يُعَذَّبْ وَإِنْ لَمْ يُسَدِّدْ أُوخِذَ بِمَا جَنَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا بِمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَفَّرَ عَنْهُ اهـ.

قَالَ اللَّقَانِيُّ: فَإِذَا قَالَ: بِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ كَافِرًا يُكَفِّرُ ذُنُوبَهُ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ، فَلْيَقُلْ بِأَنَّ الْمُسْلِمَ الَّذِي أَرَاقَ الْكَافِرُ دَمَهُ يُكَفِّرُ ذُنُوبَهُ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَقَدْ قِيلَ فِي الْحَجِّ إنَّهُ يُكَفِّرُ الْكَبَائِرَ، فَتَكُونُ مُسْتَثْنَاةً مِنْ قَوْلِهِمْ الْكَبَائِرُ لَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ اهـ.

وَقَالَ عج نَاقِلًا عَنْ حَدِيثِ شَهِيدِ الْبَرِّ: يُغْفَرُ لَهُ كُلُّ ذَنْبٍ إلَّا الدَّيْنَ وَالْأَمَانَةَ، وَشَهِيدُ الْبَحْرِ يُغْفَرُ لَهُ كُلُّ ذَنْبٍ وَالدَّيْنُ وَالْأَمَانَةُ اهـ. [قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْأَرْضَ لَا تَأْكُلُ أَجْسَادَهُمْ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ خَاصًّا بِهَذِهِ الْأُمَّةِ لِمَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَهَكَذَا حُكْمُ مَنْ تَقَدَّمَنَا مِنْ الْأُمَمِ، مِمَّنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ قُتِلَ عَلَى الْحَقِّ اهـ.

[قَوْلُهُ: وَالْعُلَمَاءُ] يَعْنِي الْعَامِلِينَ كَمَا ذَكَرَهُ عج، [قَوْلُهُ: وَالْمُؤَذِّنِينَ] أَيْ احْتِسَابًا فَفِي الْحَدِيثِ: «الْمُؤَذِّنُ الْمُحْتَسِبُ كَالشَّهِيدِ الْمُتَشَحِّطِ فِي دَمِهِ، وَإِذَا مَاتَ لَمْ يُدَوَّدْ فِي قَبْرِهِ» ، وَزِيدَ قَارِئُ الْقُرْآنِ الْعَامِلُ بِهِ وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا وَمَنْ مَاتَ مَطْعُونًا صَابِرًا مُحْتَسِبًا وَالْمُكْثِرُونَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَالْمَحْبُوبُونَ لِلَّهِ وَالصِّدِّيقُونَ.

قَالَ الْجَلَالُ أَفَاضِلُ أَصْحَابِ النَّبِيِّينَ اهـ.

[قَوْلُهُ: عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ] قَابَلَ فِي التَّحْقِيقِ كَلَامَ ابْنِ عُمَرَ هَذَا بِقَوْلِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ الْكَلَامُ فِي الْأَرْوَاحِ مُنْدَرِجٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى الشُّهَدَاءِ أَيْ فَالتَّكَلُّمُ عَلَى وُجُوبِ اعْتِقَادِ حَيَاةِ أَرْوَاحِ الشُّهَدَاءِ تَكَلُّمٌ عَلَى حَيَاةِ بَقِيَّةِ أَرْوَاحِ غَيْرِهِمْ، أَيْ فَلَيْسَ ذَلِكَ عَقِيدَةً مُسْتَقِلَّةً، فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ وَمِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَيْ اسْتِقْلَالًا [قَوْلُهُ: وَأَرْوَاحٌ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّ التَّنْعِيمَ وَالْعَذَابَ لِلرُّوحِ فَقَطْ وَهُوَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ، تَبِعَ فِيهِ ابْنُ حَزْمٍ وَابْنُ هُبَيْرَةَ الْقَائِلِينَ أَنَّ التَّنْعِيمَ وَالْعَذَابَ لِلرُّوحِ فَقَطْ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُمَا لِلرُّوحِ وَالْبَدَنِ جَمِيعًا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ كَمَا قَالَ الْجَلَالُ تَبَعًا لِشَيْخِهِ ابْنِ حَجَرٍ وَالتَّنْعِيمُ وَالْعَذَابُ، إمَّا لِجَمِيعِ الْبَدَنِ أَوْ لِجُزْئِهِ إمَّا بَعْدَ إعَادَةِ الرُّوحِ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ فِي جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ أَوْ بَعْضِهَا نَوْعًا مِنْ الْحَيَاةِ قَدْرَ مَا تُدْرِكُ بِهِ أَلَمَ الْعَذَابِ أَوْ لَذَّةَ التَّنْعِيمِ.

وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ إعَادَةَ الرُّوحِ فِي بَدَنِهِ، وَلَا أَنْ يَتَحَرَّكَ وَيَضْطَرِبَ أَوْ يُرَى أَثَرُ الْعَذَابِ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ آخَرُ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ: بِأَنَّهُ إنَّمَا أَسْنَدَ التَّنْعِيمَ وَالْعَذَابَ لِلرُّوحِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِالْأَجْسَامِ، فَيَلْزَمُ مِنْ تَنْعِيمِ أَوْ تَعْذِيبِ الْأَرْوَاحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>