وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِوَضْعِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ بَلْ الْوَاحِدُ مِنْ حُفَاةِ الْعَرَبِ إذَا وَقَعَ طَرَفُهُ عَلَى وَحْشٍ عَجِيبٍ، أَوْ طَيْرٍ غَرِيبٍ أَطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمًا يَشْتَقُّهُ مِنْ خِلْقَتِهِ أَوْ فِعْلِهِ أَوْ وَصْفِهِ، فَإِذَا رَآهُ مَرَّةً أُخْرَى أَجْرَى عَلَيْهِ ذَلِكَ الِاسْمَ بِاعْتِبَارِ شَخْصِهِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصَوُّرِ أَنَّ هَذَا الْمَوْجُودَ هُوَ الْمُسَمَّى أَوَّلًا أَوْ غَيْرُهُ، فَصَارَتْ مُشَخَّصَاتُ كُلِّ نَوْعٍ مُنْدَرِجَةً تَحْتَ الْأَوَّلِ.
وَالرَّابِعُ: قُلْته أَنَا: أَنَّ لَفْظَ عَلَمِ الْجِنْسِ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ الذِّهْنِيَّةِ وَالْوُجُودِيَّةِ، فَإِنَّ لَفْظَ أُسَامَةَ يَدُلُّ عَلَى الْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ عَرِيضِ الْأَعَالِي، فَالِافْتِرَاسُ وَعَرْضُ الْأَعَالِي مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الذِّهْنِيِّ وَالْوُجُودِيِّ، فَإِذَا أُطْلِقَ عَلَى الْوَاحِدِ فِي الْوُجُودِ، فَقَدْ أُطْلِقَ عَلَى مَا وُضِعَ لَهُ لِوُجُودِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ، وَيَلْزَمُ مِنْ إخْرَاجِهِ إلَى الْوُجُودِ التَّعَدُّدُ، فَيَكُونُ التَّعَدُّدُ مِنْ اللَّوَازِمِ لَا مَقْصُودًا بِالْوَضْعِ بِخِلَافِ أَسَدٍ، فَإِنَّ تَعَدُّدَهُ مَقْصُودٌ بِالْوَضْعِ. فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْفَرْقُ بَيْنَ عَلَمِ الْجِنْسِ وَاسْمِ الْجِنْسِ بِأُمُورٍ:
أَحَدُهَا: امْتِنَاعُ دُخُولِ " اللَّامِ " عَلَى أَحَدِهِمَا وَجَوَازُهُ فِي الْآخَرِ، وَلِذَلِكَ كَانَ ابْنُ لَبُونٍ وَابْنُ مَخَاضٍ اسْمَ جِنْسٍ بِدَلِيلِ دُخُولِ " لَامِ " التَّعْرِيفِ عَلَيْهِمَا.
الثَّانِي: امْتِنَاعُ الصَّرْفِ يَدُلُّ عَلَى الْعِلْمِيَّةِ.
الثَّالِثُ: نَصْبُ الْحَالِ عَنْهَا
الرَّابِعُ: نَصَّ أَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا الْإِضَافَةُ فَلَا دَلِيلَ فِيهَا، لِأَنَّ الْأَعْلَامَ جَاءَتْ مُضَافَةً. اهـ.
وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ: أَنَّ اللَّفْظَ إنْ كَانَ مَوْضُوعًا بِإِزَاءِ الْحَقِيقَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُتَصَوَّرَ الْحَقِيقَةُ، وَيَحْضُرَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهَا فِي الذِّهْنِ مُتَشَخِّصًا، فَالْوَاضِعُ تَارَةً يَضَعُ لِلْحَقِيقَةِ لَا بِقَيْدِ التَّشَخُّصِ الْخَاصِّ فِي ذِهْنِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ اسْمَ جِنْسٍ كَمَنْ حَضَرَ فِي ذِهْنِهِ حَقِيقَةُ الْأَسَدِ، وَتَشَخَّصَ فِي ذِهْنِهِ فَرْدٌ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute