للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِثَلَاثَةِ أَقْرِصَةٍ فَوُضِعْنَ عَلَى نَبِيٍّ فَأَخَذَ قُرْصًا فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيَّ ثُمَّ أَخَذَ آخَرَ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَخَذَ الثَّالِثَ فَكَسَرَهُ بِاثْنَتَيْنِ فَجَعَلَ نِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَنِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيَّ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ مِنْ أُدُمٍ؟ قَالُوا: لَا إلَّا شَيْءٌ مِنْ خَلٍّ. فَقَالَ: هَاتُوهُ فَنِعْمَ الْأُدُمُ هُوَ» وَفِي لَفْظٍ قَالَ جَابِرٌ: فَمَا زِلْت أُحِبُّ الْخَلَّ مُذْ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

قَالَ طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ: وَمَا زِلْت أُحِبُّ الْخَلَّ مُنْذُ سَمِعْتُهَا مِنْ جَابِرٍ نَبِيٌّ بِنُونٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُشَدَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتَ مُشَدَّدَةٍ أَيْ: مَائِدَةٌ مِنْ خُوصٍ، وَقِيلَ إنَّهُ بَتِّيٌّ بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقَ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتَ مُشَدَّدَةٍ، وَالْبَتُّ: كِسَاءٌ مِنْ وَبَرٍ أَوْ صُوفٍ، قِيلَ: هُوَ مَدْحٌ لِلْخَلِّ مُطْلَقًا.

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنَّمَا هُوَ مَدْحٌ لَهُ بِحَسَبِ مُقْتَضَى الْحَالِ الْحَاضِرِ، وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ لَوْلَا فَهْمُ جَابِرٍ كَقَوْلِ أَنَسٍ مَا زِلْت أُحِبُّ الدُّبَّاءَ.

وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ: مَعْنَاهُ ائْتَدِمُوا بِالْخَلِّ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَخِفُّ مُؤْنَتُهُ وَلَا يَعِزُّ وُجُودُهُ، كَذَا قَالَا، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَدْحٌ لِلْخَلِّ فِي الْجُمْلَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّهُ بَارِدٌ يَابِسٌ وَأَنَّهُ يُضَادُّ الْبَلْغَمَ وَأَنَّهُ جَيِّدٌ لِلْمَعِدَةِ الْحَارَّةِ الرَّطْبَةِ.

وَفَهْمُ جَابِرٍ قَدْ لَا يُعَارِضُ هَذَا، وَلِهَذَا نَظَائِرُ تَأْتِي قَالَ الْأَطِبَّاءُ: الْخَلُّ قَوِيُّ التَّجْفِيفِ يَمْنَعُ مِنْ انْصِبَابِ الْمَوَادِ، وَيُلَطِّفُ بِقَمْعِ الصَّفْرَاءِ، وَيَمْنَعُ ضَرَرَ الأدية الْقَتَّالَةِ وَيُحَلِّلُ اللَّبَنَ وَالدَّمَ إذَا جَمَدَ فِي الْجَوْفِ، وَيَنْفَعُ الطِّحَالَ وَيَدْبُغُ الْمَعِدَةَ وَيَعْقِلُ الطَّبِيعَةَ وَيَقْطَعُ الْعَطَشَ؛ وَلِهَذَا إذَا قَلَّ الْمَاءُ فَلْيُمْزَجْ بِقَلِيلِ خَلٍّ فَإِنَّ قَلِيلَهُ يَكْفِي فِي تَسْكِينِ الْعَطَشِ وَيَمْنَعُ الْوَرَمَ حَيْثُ يُرِيدُ أَنْ يَحْدُثَ، وَيُعِينُ عَلَى الْهَضْمِ وَيُلَطِّفُ الْأَغْذِيَةَ الْغَلِيظَةَ وَيَرِقُّ الدَّمَ، وَإِذَا شُرِبَ بِالْمِلْحِ نَفَعَ مَنْ أَكَلَ الْفِطْرَ الْقَتَّالَ.

وَإِذَا حُسِيَ قَلَعَ الْعَلَقَ الْمُتَعَلِّقَ بِأَصْلِ الْحَنَكِ نَافِعٌ لِلدَّاحِسِ إذَا طُلِيَ بِهِ وَالنَّمِلَةِ وَالْأَوْرَامِ الْحَارَّةِ وَحَرْقِ النَّارِ مِنْهُ لِلْأَكْلِ مُطَيِّبٌ لِلْأَطْعِمَةِ صَالِحٌ لِلشَّبَابِ فِي الصَّيْفِ وَلِسُكَّانِ الْبِلَادِ الْحَارَّةِ، قَالَ بَعْضُهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>